جمال سلطان لم يأت بيان السيد المستشار ماهر عبد الواحد النائب العام الذي صدر أمس السبت بأي جديد في القضية المثارة لدى الرأي العام بخصوص ملف تحقيق العبارة السلام 98 ، فقط نبه البيان بتوتر ملحوظ إلى رفض النيابة لأي تدخل في عملها أو التعدي على اختصاصاتها ، ولا أظن أحدا يريد ذلك ولا تلك هي المشكلة ، ولكن القضية الأساسية هي أن الرأي العام يقف الآن أمام معضلة خارجة عن حدود استيعاب العقل والمنطق ، ويبحث عن من يوضح له ويشرح حتى لا يفقد الثقة في كل شيء في هذا البلد ، نحن أمام تقريرين لاثنتين من جهات التحقيق الرسمية ، حول مسألة واحدة ، وكلاهما يناقض الآخر على طول الخط ، التقرير الذي صدر عن النائب العام ويؤكد على أن العبارة السلام 98 الغارقة سليمة تماما ، وليس بها أي عيوب ، وليس بها أي أعطال ، ومتوفر فيها كل أسباب السلامة ، والتقرير الذي صدر عن المدعي العام الاشتراكي ويؤكد بالتفصيل على أن العبارة كلها عيوب وبها أعطال في كذا وكذا والكثير من أسباب وأجهزة السلامة ليست متوافرة فيها وذلك وفق المعاينة وشهادة الشهود وتقارير الخبراء ، وأعتقد أن هذه حالة غير مسبوقة في مصر ، وتضع العدالة على المحك ، غير أن الأمانة تقتضي منا الإشارة إلى أن تقرير المدعي العام الاشتراكي أتى متوافقا مع ، ومدعوما من ، تقرير لجنة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس الشعب ، والتي أكدت أيضا على وجود الكثير من العيوب في السفينة وغياب أسباب السلامة وأن الكثير من أجهزتها كان معطلا فضلا عن وجود تزوير في شهادات صلاحية بعض النواحي المهمة ، وهو الأمر الذي يناقض أيضا ما ورد في تقرير النائب العام ، والحقيقة أن توقيت هذه القضية ربما أضاف إليها المزيد من السخونة والتوتر ، لأن قرار الإحالة الذي صدر من مكتب النائب العام بجعلها "جنحة" تأسيسا على سلامة العبارة التام وخلوها من أي أعطال وبالتالي فصاحبها ليس مسؤولا جنائيا عن قتل أكثر من ألف مواطن برئ ، هذا القرار صدر في الأسبوع نفسه الذي صدر فيه ، عن مكتب النائب العام أيضا ، قرار إحالة الزميل وائل الإبراشي وصحفيين آخرين إلى "الجنايات" لأنهم مسوا بأحد القضاة المثيرين للجدل عندما تكلموا عن وقائع تزوير في انتخابات المنصورة ، وهي وقائع باتهامات صارخة بالتزوير لم يصدر عن التحقيق فيها أي شيئ حتى الآن من النائب العام ، رغم أن الاتهامات كانت علنية والرأي العام المصري كله كان يتداول الحديث عن التزوير في هذه الدائرة بالذات هي ودائرة دمنهور ، المقارنة بين جنحة ممدوح إسماعيل وجناية وائل الإبراشي مؤلمة للغاية وتجعل المشهد كله عبثيا ، وهذا الكلام أنقله للأمانة عن رسائل العديد من القراء الذين ساءهم مثل هذا التناقض في التقارير التي تتحدث عن واقعة بهذا القدر من الخطورة راح ضحيتها مئات البشر ، منها رسالة الدكتور أيمن محمد من استراليا ، والتي عقد فيها نفس المقارنة السابقة وهو في غاية التعجب من الزمان كله ، وليس من الحالة فقط ، وأضاف الصديق أيمن ملاحظة أن كل التحقيقات السابقة في الاعتداء على المتظاهرين وهتك عرض الصحفيين وغير ذلك تم حفظ التحقيق فيها باعتبار أنها "لم تثبت" رغم أن العالم كله رآها بالصوت والصورة ، كما لاحظ الصديق سرعة إعلان نتائج التحقيق في وقائع دون غيرها ، هذه هموم مواطنين داخل مصر وخارجها ، الكل يتساءل ، والكل يستغرب ، والكل يبحث عن منطق وعن معنى وعن جواب ، وفي تقديري أن الكثير من الأحداث التي توالت على مصر في السنوات العشر الأخيرة وكان طرفا فيها منصب النائب العام بغض النظر عن شخصه ، تجعل من دعوة نادي القضاة بإعادة النظر في طريقة اختيار النائب العام مطلبا مشروعا وأخلاقيا ووطنيا لضمان استقلال العدالة بأجنحتها ، وتنزيهها عن الشبهات والقيل والقال ، ولا بد من أن يلغى مبدأ اختيار النائب العام بقرار من السلطة التنفيذية أو رئيس الجمهورية ، وأذكر أن السيد المستشار محمود مكي نائب رئيس محكمة النقض قال قبل أسبوع أن أخطر منصب في الدولة بكاملها من حيث الصلاحيات والنفوذ والتأثير بعد رئيس الجمهورية هو منصب النائب العام ، ولذلك أعتقد أن المسألة تستحق ، وينبغي أن تكون في رأس مطالب الحركة الوطنية الإصلاحية ، وفي مقدمتها تلك الإصلاحات التي يقودها نادي القضاة . [email protected]