عندما شاهدت فيديو مذيعة القناة المصرية الثانية هالة فهمي وهي تقدم كفنها للمشاهدين و تعرض نفسها شهيدة للثورة وفارسة النضال من أجل الحرية والكرامة ، تذكرت حينها المذيعة الليبية "هالة المصراتي" صاحبة العبارة الشهيرة "يا قاتل يا مقتول " المذيعة إياها أشهرت مسدسا في وجه المعارضين للزعيم الهالك معمر القذافي من على شاشة التلفزيون الليبي ، وتوعدتهم بالويل والثبور إن هم اقتربوا منها أو من زعيمها المفدى وقائدها الهمام .. !؟ المشهد في كلتا الحالتين يقترب من الكوميديا المضحكة ولكنه في مقابل ذلك يختزل لنا حجم جناية الطواغيت على إعلامنا وما مدى عبثيتهم وتخريبهم للمنظومة الإعلامية في أوطاننا ،وكيف أنهم زجّوا بصحفيين و إعلاميين مكانهم مستشفى الأمراض العقلية والمصحات النفسية ولكنهم يتصدرون الآن المشهد في أكثر وأكبر المواقع خطورة وحساسية . لا فرق بين هالة الليبية وهالة المصرية سوى أن الأولى كانت تدافع عن سفاح على قيد الحياة ونظام آيل للسقوط ، أما الثانية فتريد إخراج جثة نظام مات وشبع موتا ، نظام دُفن وأقيم له سرادق عزاء وانفض المعزون ، ولكنها عبثا تريد بعث الحياة في جثة عفنة نخرها الدود...( والد هالة فهمي نائب سابق عن الحزب الوطني وجرى توظيفها في العهد البائد بطريقة مشبوهة ) كان بإمكان هالة فهمي مذيعة القناة الثانية في التلفزيون المصري أن تتقدم باستقالتها إن وجدت شيئا غير طبيعي أو أنها رأت نفسها قد حادت عن قواعد المهنية ، أو لمحت أن ما يُقدم لا يمثل جوهر الإعلام المحايد النزيه ، أو استشعرت أيّ ضغط من أي جهة يفرض عليها توجها معينا ضد قناعتها ومبادئها ... كان بإمكانها أن تستقيل وتفعل كما فعل محمود سعد خلال ثورة 25 يناير عندما رفض الالتحاق بالتلفزيون المصري وبرنامجه " البيت بيتك " والتحق بالثوار في ميدان التحرير بلا ضجة وبلا تهريج و لا حركات بهلوانية ... ولكن أن تستعين بتمثيلية غبية صبيانية وتوشح مغادراتها بسيناريو هيتشوكي استعراضي مكانه "مستشفى المخابيل " فتلك هي المصيبة... ! ما الذي حمل الأخت هالة على فعل ذلك..؟؟ والحال أن الوضع ليس بالخطورة التي تجعلها تحمل حياتها مقابلا لمهنية تدعي أنها حُرمت منها ، خطوة لم يقم بها الصحفيون الذين غطوا الحروب في ليبيا سوريا وغزة والعراق و افغنستان أين واجهوا الموت الحقيقي ، ولم يستعرضوا أكفانهم ولم يلقوا خطب الوداع كما فعلت مذيعة القناة الثانية والتي أوحت للمشاهدين أنها تتحدث وقذائف الهاون تتساقط من حولها ...وفي الوقت الذي لم يطلب منها أحد أن تجعل نفسها فداء للثورة ولم يكن مطلوبا منها إلا أن تقدم استقالتها وتلتحق بالمتظاهرين والمعتصمين كأكثر شيء تقدمه ... ! لم تفعل هالة فهمي ذلك عندما كان الثوار يُقتلون بالفعل في عهد المخلوع والتلفزيون الرسمي يضلّل ويعتّم ويقلّل من شأنهم ويقول عنهم أنهم قلة مندسة اشتريت ذممهم بوجبات الكنتاكي.... لم تفعل ذلك عندما كان التلفزيون الرسمي يصف المظاهرات المأجورة المؤيدة لمبارك بأنها مظاهرات حاشدة وعارمة...أما وأن تلفزيون الدولة الرسمي نفسه صار غرفة تحريض ضد الرئيس هو أمر شجع هالة فهمي على أن تمارس استهبالها على المشاهدين بحركات سمجة سخيفة ... !؟ تدرك هالة فهمي أن أي حركة غبية من هذا النوع في عهد المخلوع كانت لن ترى النور بعدها ولكان مصيرها معاملة خاصة في قبو من أقبية الداخلية على يد أمن الدولة ، لتعرف فيه قيمة نفسها وقيمة أسيادها الذين تتطاول عليهم ، وليس بعيدا أن تسلم إلى أهلها ملتحفة بنفس الكفن الذي أحضرته للأستديو لتدفن في أقرب مقبرة ، أما وان صارت في ظل حكم رئيس غلبان قال بأنه ليس له حقوق بل عليه واجبات فليس غريبا أن يستغل هذه الطيبة أمثال المذيعة لتوقيع بطولات زائفة ... !؟ زميلتها الأخرى "بثينة كامل " مقدمة النشرة الإخبارية في التلفزيون الرسمي كان بوسعها هي أيضا أن تستقيل من غير أن تمارس طقوس الاستهبال على المشاهدين ، وأن تصف النشرة التي تقرأها "بالنشرة الإخوانية " ولكن هو حبّ الظهور وشبق الشهرة وشهوة البطولية وصناعة الأمجاد هو ما يحرك هذا الرهط من الإعلاميين ... الواقع أن ثورة 25 يناير أحدثت فرزا حقيقيا للسياسيين و للإعلاميين ، ودخل من دخل في قوائم العار أو القوائم السوداء وصُنف من صنف ضمن الأبطال والثوار ، وما يحدث الآن هو محاولة البعض ترميم شرفه بعدما فضحته ثورة 25 يناير لعل وعسى أن يخرج من القوائم السوداء ، وهناك من كان نسيا منسيا لا مع الفلول ولا مع الثوار هاله الأمر أن يجلس في الظل بلا لقب أو وصف ثائر أو بطل أو حتى زعيم ، فلا بد أن يقفز إلى صدارة المشهد ليهتف الثوار باسمه وتتحدث عنه الفضائيات ويسجل التاريخ اسمه كثائر، و قد وجد الفرصة الآن في أن يصنع أمجادا وبطولات بأقل التكاليف في ظل إعلام مسعور يقلب الحقائق بشكل غير مسبوق يجعل التافه مناضلا والخائن وطنيا والفلول ثائرا ... خطوة تحجيب الصحف وتسويد الشاشات اعتراضا على دكتاتورية مرسي التي اعلنت عنها صحف وفضائيات مصرية تعكس درجة الإفلاس التي وصل إليها هذا الإعلام الوضيع ، والسؤال : لو كان الرئيس دكتاتورا بالفعل لحجبّها بمعرفته وربما لم يسمح لها بالصدور والظهور أصلا ، حركة أخرى تعبر عن حالة السعار التي وصل إليها الإعلام المهووس وشهيته الواضحة لأن يكون ضحية ومجني عليه فأوحى لهم خيالهم المريض أن فكرة الاحتجاب وتسويد الشاشات ستسمح له بكسب مزيد من التأييد وربما سيلقى في روع المتابعين أن مرسي هو سبب اختفائها فيمارسون طقوس التباكي والنحيب ويقيموا مناحات كربلائية وبكائيات حسينية فيها لطم و تطبير على الطريقة الشيعية... كل ذلك على قهر واستبداد لم يشاهدوه إلا في أحلامهم وكوابيسهم ، وكل ذلك حتى يُهيّج الشعب و الرأي ضد الرئيس على طريقة : كذب كذبة وصدقها ... اجتهد هذا الإعلام المهووس بالثورية في استفزاز الرئيس ومن حوله حتى يتهور ويتصرف معهم تصرفا غير لائق ، ولكن خاب أملهم ، لذلك تجدهم يصرخون في حالة هستيرية كالمجانيين واصفين الرئيس بأقذع الأوصاف ... فمرة يرسمون قفا الرئيس ( كما فعل الرسام الكاريكاتوري الذي احضره إبراهيم عيسى ) ومرة يقولون عن الرئيس مريض نفسي (كما قالت منال عمر التي استضافها محمود سعد في برنامجه آخر النهار ) و مرة تصفه مذيعة التلفزيون المصري بالحاج مرسي وتستخف به وتقول أنه يكفر شعبه .. ومرة تُوضع صورته على صدر جريدة ( جريدة الدستور ) ويكتب بجانبها : زمن الكلاب، ومرة يضعون عنوانا : الرجل الفاشي في القصر الجمهوري بجنب صورته ، وآخر وصف أطلقه عليه مجدي الجلاد رئيس تحرير صحيفة الوطن الذي قال: "أن الرئيس مرسي من الفلول "!؟ كل واحد من هؤلاء الإعلاميين يريد أن يجعل من نفسه بطلا ويزايد على الآخرين في شتم الرئيس ونسوا أن الشجاعة ليست هي استعراض العضلات أمام رئيس مغلوب على أمره وفي ظل نظام مترهل بالكاد يخطو خطواته الأولى ويصبح معها سهلا أن تصير بطلا ، ولكن البطولة هي أن تتشجع عندما يجبن الناس .. نسى هذا الرهط من الإعلاميين أن زمن توزيع صكوك الثورية قد انتهى ، و أن ختم الثورة لم يعد موجودا ، وأن ثورة 25 يناير قد وثقت من كان خائنا متواطئا ومتخاذلا و وكتبت من كان ثوريا مجاهدا مناضلا، فمن كتبه التاريخ ثائرا فهو كذلك ، أما من كان خائنا فإلى مزبلة التاريخ ولن ينتشله من القمامة لا إحضار كفن في أستديو ولا ورسم قفا الرئيس .. !؟ أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]