الوطن فى خطر، خطر حقيقي، تحول الاختلاف السياسى بين النخب والفصائل السياسية إلى صراع واشتباكات دامية تم دفع الشعب فيها دفعًا بالتأليب والتحفيز وإذكاء نيران الغضب، ليسقط الشهداء والمصابون من أبناء الوطن، ما وصلنا إليه الآن من شفا حفرة لهو مؤامرة، مؤامرة بكل معنى الكلمة لا استثنى من التورط فيها أحدًا، نعم لا استثنى أحدًا، لا هذا الفصيل ولا ذاك، مؤامرة الكل ساهم فيها ولو بالصمت، ولو بالتحريض غير المباشر على ضرورة انهاء الخلافات السياسية بقوة الذراع، يا الله من يصارع من! ومن يضرب وينكل بمن؟! مصرى بمصرى، مسلم بمسلم أيًا اختلفت المسميات والتصنيفات، كلنا فى النهاية مصريون، ومقتل أى شاب أو شيخ من هنا أو هنا يوجع قلوب الشرفاء جميعهم بلا انحياز أو تحيز، لأن الدم المصرى واحد، والمصاب واحد، والوجع واحد، ومصر تفقد أبناءها بلا تفريق. الذين أذكوا نيران الغضب عبر كل الوسائط التى يمتلكونها والتى مكنهم الله منها سيحاسبون، الإعلاميون الذين أذكوا النيران وأججوا المشاعر هنا أو هناك، الساسة الذين أداروا فى الغرف المغلقة الحوارات لدفع الشباب إلى المواجهة متورطون، الشيوخ والأئمة الذين نادوا عبر اجتماعاتهم ومنابرهم بضرورة إزالة الأوساخ بالقوة ويقصدون بها المعارضين للدستور متورطون، لماذا زججتم بأبناء الشعب إلى هذه المواجهات الدامية؟ لماذا تخليتم عن صوت العقل ورجاحته؟ وتمسككم بالحوار، الحوار الذى لن يكون هناك طريق غيره للتوصل إلى توافق وطنى صحيح، توافق وطنى ينجو بمصر من هذا المنزلق العظيم، توافق وطنى يسير بنا جميعًا داخل سفينة واحدة إلى شاطئ الأمان على كل من ساهم فى إشعال هذه النيران أن يساهم الآن فى إطفائها وأن يتقى يوم الحساب يوم لا ينفع مال ولا بنون ولا منصب. من قال إن الديمقراطية يمكن أن تتحقق بقوة الصراخ والضرب فى المليان وقطع الرقاب! ومن قال إن الديمقراطية تتحقق بالتطاول على رموز الوطن وبالسباب واللعان! من قال إن الدماء التى أسيلت.. أسيلت من أجل الديمقراطية! لا والله لقد أسيلت بفعل فاعل أراد لهذا المشهد الدموى أن يحدث لإرهاب أبناء الوطن، وأراد أن يدفع الشعب الثمن من دمه، الشعب الذى حلم طويلًا بالحرية والديمقراطية، الحرية الحقيقة بلا خوف، وأقصد بها الحرية التى لا تعتمد على الفوضى كمبدأ. فلتسقط كل دساتير العالم، ولتسقط كل المناصب والكراسى والمصالح الشخصية والطموحات السياسة وغير السياسة أمام قطرة دماء واحدة من أبناء مصر الحبيبة، بالأمس القريب وقف المصريون جميعًا فى مواجهة نظامٍ طاغٍ لإسقاطه، وتلقت الأمهات أنباء استشهاد فلذات أكبادها فى صبر بعد أن قتلتهم أيادى الأمن المتورط مع الطغيان، والآن ماذا سيصبر أمهاتنا؟ وأبناؤهم قتلوا على أيدى إخوتهم أشقائهم من كانوا معهم فى الصف ، وماذا سنقول لهن؟ أليس فينا عاقل أو رشيد! علينا جميعًا أن نفيق مما نحن فيه، أن نعود إلى الصواب، فمال المسلم ودمه وعرضه حرام.. حرام.. حرام، و(ما التقى مسلمان بسيفيهما إلا ودخلا النار القاتل والمقتول)، لأن كل منهما خرج قاصدًا قتل الآخر، هكذا يقول ديننا الإسلامى، يا إخوتى فى الوطن، حان وقت العقل والرشد، لا تجعلوا من أبناء الوطن أدوات لخلافاتكم، ولا تجعلوا البسطاء دروعًا بشرية للانتقام من خصومكم، الوطن واحد والأرض واحدة، والدين لله وحده، ولا يمكن فى ظل هذه الأجواء الدامية أن يتم التمسك بالتصويت على الدتسور فى موعده، من الحكمة إرجاء ذلك، ومن الحكمة العمل على البحث فى المواد الخلافية فى الدستور للتوصل إلى اتفاق بشأنها قبل الاستفتاء عليه لا بعده، وليس فى هذا تنازل من شخص لآخر عن هدف أو مبدأ، بل هو تنازل من أجل أمن واستقرار الوطن، ويكفى ما خسرته مصر من شبابها، من اقتصادها الذى ازداد تدميرًا، فالبورصة تخسر، والاستثمار تجمد، والدعم الدولى المالى توقف، وعادت مصر بسبب عناد الجميع إلى المربع صفر، الله لا يرضى بهذا، ولن ينسى الشعب ولن يسقط التاريخ تلك الأيام من ذاكرته، اللهم بلغت اللهم فاشهد.