كشفت مصادر سياسية مطلعة ل " المصريون" أن الدكتور أسامة الباز المستشار السياسي للرئيس مبارك قام بتقديم استقالته للرئيس مبارك ، إثر اجتماع عاصف ضم ، إضافة إلى الرئيس والباز ، الوزير عمر سليمان رئيس المخابرات والدكتور زكريا عزمي رئيس ديوان رئاسة الجمهورية والسفير سليمان عواد المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية ، مشيرة إلى أن الرئيس لم يبت حتى الآن في الاستقالة ، وأنه منح الباز أجازة مفتوحة يقضيها حاليا في مارينا . وأوضحت المصادر أن الاجتماع كان مخصصا لمناقشة الطريقة الملاءمة لإعلان الرئيس خوض انتخابات الرئاسة المقبلة ، حيث تقدم الباز بتصور مكتوب اقترح فيه تبني النمط الأمريكي ، وهو ما يختلف كلية عن الطريقة التي أعلن بها مبارك ترشحه في مدرسة المساعي المشكورة بمحافظة المنوفية . لكن اقتراح الباز قوبل بهجوم عنيف من الدكتور زكريا عزمي ، الذي اعتبر أن الأمر أسهل مما يتصور الدكتور الباز ، مؤكدا أن النظام ومبارك يحظيان بشعبية واسعة ، وأن القوي المطالبة بالإصلاح قد فشلت في حشد الدعم لمخططها الساعي لتشويه صورة الرئيس ، وقد حظي موقف عزمي لقي مساندة حارة من الرئيس مبارك . هذه الانتقادات العنيفة ، جعلت الباز يشعر بأنه بات معزولا داخل مؤسسة الرئاسة ، وأن آراءه لم تعد تحظى بالقبول والتأييد من الرئيس، وهو ما دفعه للتقدم باستقالته ، مؤكدا فيها أنه لم يعد لديه جديد يقدمه خصوصا وأن التجربة الديمقراطية قد نضجت إلى حد يسمح له بالمغادرة بعد أن أدى دوره في خدمة الدولة والنظام. وأوضحت المصادر أن الرئيس مبارك أرجأ قبول الاستقالة ومنح الباز أجازة مفتوحة يقضيها حاليا في مارينا ، مشيرة إلى أن هذا يفسر غياب الباز عن واجهة الأحداث في الفترة الأخيرة ، وعدم ظهوره على شاشة التليفزيون المصري أو الفضائيات العربية في الفترة الأخيرة . ورجحت المصادر عدم قبول الرئيس مبارك لاستقالة الباز في الوقت الراهن ، خاصة وأنه العقلية السياسية الوحيدة - تقريبا - في الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس ، كما أنه يمسك بمفاتيح العديد من الملفات الحساسة لدى مؤسسة الرئاسة ، التي ستحتاج إلى وقت ليس بالقصير للبحث عن بديل جاهز لإدارتها ، وإن كان من المؤكد أن يتم تقليص دوره إلى حد كبير في المرحلة المقبلة . وشددت المصادر على أن استقالة الباز تكشف أن حرب "تكسير العظام" ، التي تخوضها أجنحة النظام المتصارعة ، قد امتدت لتشمل الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس وأقرب مستشاريه ، لافتة إلى أن رفض الباز لمسألة توريث الحكم ، وتصريحاته المتكررة بأن مصر لا يصلح فيها التوريث ، أغضب الكثيرين من المحيطين بالرئيس خاصة السيدة قرينته والدكتور زكريا عزمي ، الذي كثيرا ما كال الاتهامات للباز بالتغريد خارج سرب المجموعة المحيطة بالرئيس مبارك وتمسكه بأفكار خاصة . وأوضحت المصادر أن الباز كثيرا ما اعترض على تدخل السيدة سوزان مبارك في شئون لها حساسيات خاصة ، ناهيك عن مطالبته للرئيس بتغيير العديد من الوجوه المحيطة به وهو ما أعتبره عزمي إشارة إليه هو والعديد من رموز الحرس القديم "الشريف والشاذلي وسرور" لذا كان توجه " الفرقاء " نحو تقليم أظافره والحد من نفوذه داخل مؤسسة الرئاسة. وفي المقابل ، فان معارضة الباز لفكرة التوريث جعلته بعيدا عن الدائرة المقربة من جمال مبارك ، رغم أنه – أي الباز - أحد أساتذة جمال مبارك، وفي مقدمة الذين حاولوا تربيته سياسيا وتعريفه بدهاليز الحكم ، وهكذا وجد الباز نفسه في المنطقة الرمادية ، لا هو من المحسوبين على الحرس القديم ولا هو من أنصار الفكر الجديد ، وهو ما سهل الإطاحة به . ولفتت المصادر إلى أن المقال الذي نشره الباز قبل نحو أسبوعين في صحيفة " أخبار اليوم " بعنوان " الوصايا العشر.. حتى لا يندم بعد هذا أحد" ، وحوى عشر شروط يجب توفرها فيمن يريد ترشيح نفسها للرئاسة ، اعتبرت أوساط مقربة من الرئيس مبارك أنه تضمن هجوما مبطنا على مؤسسة الرئاسة ، ورفضا غير مباشر لفكرة التوريث ، حيث شدد الباز على ضرورة " أن يكون المرشح ملما إلماما كافيا بتاريخ بلده وتراثه" وأن يتمتع ب " خبرة كافية باتخاذ القرارات الحاسمة.. ووعي كاف بأثر هذه القرارات علي المصالح العليا للوطن " . كما أن المقال خلا من أي إشارة لمقولات الفكر الجديد وتسليم الراية لجيل الشباب ، التي يروج لها أنصار فكرة التوريث . جدير بالذكر أن الدكتور أسامة الباز يعد واحدا من الشخصيات التي دار حولها انقسام في الشارع المصري، فهو في نظر بعض الأوساط من "الحرس القديم" الذي يرى بقاءه قريبا من السلطة مرهونا بعدم تغيير الأوضاع الراهنة، وأن أي إصلاح يحتم خروجه من كنف وآليات ووسائل النظام نفسه. أما في نظر أوساط أخرى فيعتبر من المطالبين بالإصلاح والتغيير في الوقت نفسه . ومع أن الباز كان من المعارضين لفكرة تعديل الدستور أو بعض مواده ، ورأى تأجيل ذلك لمرحلة مقبلة ، إلا أنه بعد قرار الرئيس بالتعديل وصف تعديل المادة 76 بأنها الأبرز والأهم في مسيرة الإصلاح السياسي. وتوقع خطوات أكثر تطورا في هذا المجال في المرحلة المقبلة. واعتبر مستشار الرئيس أن إصلاح نظام اختيار رئيس الجمهورية سيؤدي إلى نقلة سياسية كبيرة في مصر لها تداعياتها وتأثيراتها في كافة الجوانب، وأكد أن خطوات التعديل تثبت جدية سياسات الإصلاح الديمقراطي في مصر. وقد أوقع إخلاص الباز الشديد للرئيس مبارك صاحبه في العديد من المطبات ، حيث اصطدم بقضاة مصر واصفا تقريرهم حول الاستفتاء بأنه تقرير عديم القيمة ، معتبرا أن نادى القضاة يعبر عنهم فقط كأفراد ، وهو الأمر الذي هيج مشاعر الغضب بين جموع القضاة ودفع رئيس نادي القضاة بالإسكندرية المستشار محمود الخضيري للرد مؤكدا :" أن هذا الأسلوب يعتبر وسيلة غير لائقة مع القضاة الذين يريدون مصلحة وطنية " . وأكد أن قضاة مصر مستعدون للرد على الباز بتقديم التقرير لجهة محايدة من كبار الشخصيات الموثوق بها لفحص ما جاء به بالوقوف على المستندات التي تؤيده .