كثيراً ما ردد الرئيس المصري حسني مبارك أنه لا يريد أن يدخل التاريخ ولا الجغرافيا، وهذا التعبير ورد في أكثر من صحيفة حزبية معارضة، إلا أنه رغماً عن ذلك سيدخل التاريخ بهذا التعديل الطفيف علي الدستور المصري الذي مهد لإجراء أول انتخابات رئاسية يتنافس فيها المتنافسون، وإن كانت الخطوة التي أقدم عليها غير كاملة لأن الدستور بحاجة إلي تغيير كامل إلا أن ذلك لا ينفي عنها صفة الحراك في الاتجاه الصحيح، هذا الحراك وضع مختلف الاتجاهات في الساحة المصرية علي بداية الطريق المتجه إلي الأمام، بحيث لن يتمكن أحد من السير بعكس ذلك حتي وإن أراد. أراد مبارك كما قال من تلك البداية أن تكون تجربة جديدة في مصر، وإن كان بعض رموز النظام بذلوا جهوداً خارقة لإضفاء الصفة الشكلية عليها، وقد تمكنوا من ذلك إلي حد كبير، إلا أن التطور الطبيعي للأشياء سيجذبهم إلي حيث لايصح إلا الصحيح وهذا لا جدال فيه حتي وإن كان علي غير رغبتهم. وحتي يُكتب للتجربة النجاح فيجب أن يتوفر لها جميع مقوماته، وطالما تقدم للمنافسة علي منصب الرئاسة أكثر من شخص، فإن ذلك سيعطي للشعب المصري للمرة الأولي قدراً من الاحترام الذاتي كان يفتقده لعشرات السنين عندما كان يُساق إلي صناديق الاستفتاء وهو موقن أن لا رأي له ولا مشورة وأن ما تريده الحكومة واقع لا محالة وما واقعة الاستفتاء الأخيرة علي المادة (76) إلا شاهداً علي ذلك. أهم ملامح النجاح والدلائل الهامة علي صدق التجربة أن يكون لكل مُرشح برنامج قابل للتنفيذ ويتناغم مع آمال الشعب وطموحاته، ويحافظ علي حقوق الوطن ومكتسباته، باعثاً لمستقبل جديد يختلف في كل سماته عن الواقع الحالي الذي لو نظرنا إليه لوجدناه مشوهاً بصورة تجعل من المستحيل أن يصلح كامتداد لمستقبل أو حتي كمداد له، فالانفصال التام عن هذا الواقع ضروري حتي يكون لدي المصريين أمل يرتجي. أحد أبرز منافسي الرئيس مبارك وهو الدكتور أيمن نور أوضح من خلال برنامجه الانتخابي تطابقاً كبيراً مع رغبات الشعب، الذي اشتمل علي رؤية واضحة ومهام مُحددة كإطلاق حرية الرأي والتعبير وتكوين الأحزاب، وإلغاء قانون الطواريء، وتغيير الدستور وليس تعديل مواده، وتحديد ولاية الرئيس بما لا يزيد عن فترتين رئاسيتين، مع النظر في صلاحياته الواسعة، والفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية، مع إيلاء الحالة اقتصادية ما تستحقه من اهتمام، وأشياء كثيرة يراها المتفائلون جديرة بالاختيار، فهل يكون أيمن نور في نهاية النفق المصري؟ هذا ما سيقرره الشعب وتحسمه الأصوات في صناديق الانتخاب. علي الجانب الاخر سيطرح الرئيس مبارك برنامجه إلي الشعب في منتصف شهر أغسطس وإن كان المح عند إعلانه عن ترشيح نفسه لفترة رئاسية خامسة إلي بعض العموميات التي لم تجد ترحيباً من المعارضين إلا أن انتظار البرنامج الكامل للرئيس هو الذي سيُحدد من الذي سيختاره الشعب. فهل سيتمكن الرئيس مبارك من وضع برنامج ينفصل به عن الواقع متبرئاً من آثاره السيئة، منطلقاً إلي المستقبل متحرراً من تلك الأثقال التي أعاقت حركته لمدة أربعة وعشرين عاماً بحيث يستطيع خلال ست سنوات، هي عمر فترة الرئاسة الجديدة، أن ينجز ما لم يتمكن من إنجازه خلال ربع قرن، هذا ما نتمناه وننتظر أن نراه. في النهاية سيختار الشعب المصري من يحكمه وهذا في حد ذاته معجزة، وإذا خرجت هذه الانتخابات نزيهة وتوشحت بالشفافية كما يأمل الجميع، فسوف تكون بداية عهد مصري جديد، ولن يتمكن الرئيس القادم أياً كان أن يتجاهل رغبات الشعب، فالرئاسة هذه المرة لن تكون بمنأي عن النقد والمحاسبة ناهيك عن رصد سبعين مليون مواطن لحركة رئيسهم وانتظار تنفيذ ما وعدهم. ---- صحيفة القدس العربي في 4 -8 -2005