حكى لى زميل يعمل بإحدى الصحف الخاصة، أن رئيس تحرير الجريدة عقد اجتماعا مع مدراء التحرير الثلاثة، فور إصدار الرئيس محمد مرسى الإعلان الدستورى وانطلاق ردود الفعل الرافضة من بعض القوى السياسية، أعلن رئيس التحرير خلال الاجتماع - صراحة وبكل وضوح - انحياز الجريدة الكامل للتيارات الرافضة للإعلان الدستورى، ونبّه على جميع المحررين عدم نشر أى خبر أو مقال يصب فى مصلحة الرئيس، سواء فى الجريدة الورقية أو البوابة الإلكترونية على الإنترنت، وكان الرجل يتابع ذلك بنفسه يوما تلو الآخر، وفى نهاية اليوم السابع من كل أسبوع، يعيد تذكير مدراء تحريره بالفرمان الصادر. تصرف رئيس التحرير أراه طبيعيًا ومنطقيًا فى إطار حالة الفوضى التى تعيشها الصحافة المصرية بل والإعلام المصرى بشكل عام، عندما اختلط المال الفاسد بالسياسة وراحا سويا يطوعان الصحافة كدابة ذلول فى خدمة أهدافهم السياسية والاقتصادية الفاسدة. فترك الإعلاميون الصحافة الحقيقية والبحث عن الخبر وعرض الرأى والرأى الآخر، للعب دور السياسيين على الشاشة أو على صفحات الجرائد؛ حتى أصبحت الجرائد منشورات سياسية لا تمت للعمل الصحفى بصلة، وباتت الشاشات مصات تطلق منها صواريخ السب والقذف فى كل الاتجاهات. وتلخص دور الإعلاميين فى قدرتهم على تجييش الجماهير مع هذا أو ضد ذاك ، وبات نجاح الإعلامى مرهون بمدى قدرته على مغازلة هذا الفريق أو ذاك الفصيل ليرفعوا صوره فى المظاهرات أو "يشيّروا" مقاطع فيديو من برامجه على شبكة الإنترنت، وباتت الحيادية والموضوعية ونزاهة الكلمة عبارات بالية، عفا عليها الزمن، وأصبح ذكرها كأنك تتحدث - لا مؤاخذة - عن "شرف البنت" .. داخل إحدى بيوت الدعارة. لا أدرى ما الحرفية الإعلامية أو حتى الدعوية فى أن يقف داعية إسلامى ومقدم برامج تليفزيونية - وهو الشيخ خالد عبدالله- على منصة مظاهرات "الشرعية والشريعة" أمام جامعة القاهرة، ليهاجم إعلاميين آخرين ويذكرهم بالاسم، ويذكر تحديدا عمرو أديب، فيرد عليه هو الآخر فى ذات الليلة على الهواء مباشرة بأسلوب لا يمت للإعلام بأية صلة؛ فيسب ويشتم على طريقة "الحوارتاجية" و"المبرشمين". ولا أدرى ما المهنية فى أن تخرج علينا مذيعة نشرة بالتليفزيون المصرى - يفترض فى مذيع النشرة أن يتسم بأعلى درجات الحيادية- فتضيف من عندها عبارة "استكمالا للنشرة الإخوانية"، ما الشجاعة أو المهنية فى هذا ؟! ما الإضافة التى استفادها المشاهد من "تجويد" الأستاذة المبدعة وهى تضع لمستها السياسية؟! وأخرى فى التليفزيون الرسمى أيضا تخرج على المشاهدين بشعر أشعث أغبر وهى تحمل كفنها، ما الحرفية أو الشطارة فى ذلك؟! هل هى تغازل متظاهرى التحرير حتى يهتفون باسمها ويقيمون لها نصبا تذكاريا تخليدا لذكرى ظهور الكفن على شاشة التليفزيون لا رسمى للدولة؟! أم تسعى لاستقطاب نوعا من الاهتمام على مواقع التواصل الاجتماعى ؟! هذا تليفزيون الدولة يعنى تليفزيون الشعب الذى يدفع ضرائب يتقاضى منها الإعلاميون رواتباهم ومزاياهم المالية، لم يقل أحد أن يطّبل المذيع للنظام الحاكم كما كان يحدث فى السابق لكن من غير المعقول أن يتخلى الإعلامى عن مهنيته ويرتدى زى المناضل السياسى بهذه الطريقة الفجة. إن أراد أى إعلامى أن يمارس السياسة فعليه بالانضمام لأحد المنابر السياسية الحزبية أو التيارات السياسية ويعلن ذلك صراحة، لا أن يحول وسيلة الإعلام إلى منبر سياسى، ويدعى الحيادية والموضوعية وقدوسية الكلمة، ثم نجده يمارس عهرا سياسيا على صفحات الجرائد أو عبر شاشات التليفزيون. يعلم الله .. أنى ما كتبت هذا دفاعا عن الدكتور مرسى ولا دفاعا عن الإخوان ولا عن أى فصيل سياسي، إنما هو الدفاع عن مهنة فقدت قدسيتها على يد زمرة من المنتفعين والغوغائيين وطالبى الشهرة بأى وسيلة دون مراعاة لقيمة الكلمة التى سنسأل عنها جميعا نحن الإعلاميين، سنسأل عنها فى الدنيا .. وفى الآخرة. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]