المرة الاولى التي ذهبت فيها الى مقر الاخوان المسلمين في القاهرة في التسعينات، اصروا على ضرورة وضع غطاء رأس قبل ان اتمكن من لقاء المتحدث باسمهم آنذاك الراحل مأمون الهضيبي. وكانت هذه واحدة مناسبتين في حياتي الصحافية التي طلب فيها مني وضع غطاء رأس لإجراء مقابلة صحافية. المرة الثانية كانت في غزة عندما التقيت الشيخ احمد ياسين، الزعيم الروحي لحماس الذي اغتالته اسرائيل في العام الماضي. ولذا فعندما عدت الى مقر الاخوان المسلمين في القاهرة في شهر يونيو، دهشت عندما لم يطلب مني احد تغطية شعري قبل لقاء المرشد العام محمد مهدي عاكف ونائبه محمد حبيب. ولكن سعادتي لم تدم. فبعد فترة من بداية المقابلة مع عاكف، سألته عما اذا كانت حركة الاخوان ستغير أي شيء في الدستور المصري فيما يتعلق بحقوق المرأة. وقال عاكف ان الاخوان لن يجبروا المرأة المصرية على ارتداء الحجاب لأنهم لا يؤمنون بإجبار أي شخص على اداء أي شيء. كان ذلك يبدو رائعا، ولكن اذا كان يعتبرونني «عريانة» فلست متفائلة فيما يتعلق بآرائهم الاخرى حول المرأة. الامر لا يعني ان وجهة نظرهم فيما يتعلق بالمرأة قد تغيرت، ولكنهم يعلمون الآن انهم اذا ما اجبروا الصحافيات على تغطية شعورهن، فستستخدم كدليل ضد الاخوان، وهم اكثر وعيا بوسائل الاعلام الآن. وتلك مشكلة، بصفة اساسية، مع الاخوان المسلمين «الجدد» كما يودون ان نؤمن بذلك. فقد ذكروا انهم تغيروا ويستخدمون الآن عبارات مثل «حرية الاختيار» و«التعددية السياسية» ولكن العادات القديمة لا تختفي بسهولة. ولا يبدو ذلك اكثر وضوحا الا عندما تسألهم عن المرأة، ودور الشريعة وكيف سيعاملون الاقليات الدينية والطوائف الاسلامية الاخرى. ومثال آخر على ذلك، يتعلق بوجهة نظرهم بالشيعة. فقد سألت محمد حبيب نائب المرشد العام عن العلاقات بين حكومة الاخوان وغيرها من الدول الاسلامية، ولا سيما تلك الدول ذات الاغلبية الشيعية. وذكرت العراق، حيث قلت ان الشيعة يمثلون 60 في المائة من السكان، فاصر حبيب على ان نسبة الشيعة في العراق لا تتعدى 30 او 40 بالمائة من جملة عدد السكان، وقال ان مؤسس حركة الاخوان المسلمين، حسن البنا حاول الجمع بين المدارس السنية والشيعية. يقول حبيب: «يجب ان نجد ملامح ونقاط ملامح مشتركة تجمعنا سويا وتجنبنا الخلافات، ويجب ان ننشيء لجان ذات إدراك واسع لجمع السنة والشيعة سويا. هذه الخطوة ستحل الكثير من المشاكل وتخفف الكثير من التوتر». المثالان اللذان اشرت اليهما من لقائي مع عاكف وحبيب يجعلان من الضروري إشراك الاخوان المسلمين في الحوار حول الاصلاح. اذا وصل الاخوان للسلطة في مصر، فإنني لن اعيش هناك مرة اخرى. ولكن اذا صممت مصر على إجراء اصلاح حقيقي وعملت باتجاه الديمقراطية، فإن الكل سيكون مشاركا في الحوار، بمن في ذلك الاخوان المسلمون. يضاف الى ذلك ان الحديث مع الاخوان المسلمين والاستماع الى وجهات نظرهم هو السبيل الوحيد الى تسليط الضوء على التناقضات، ووجهات النظر المثيرة للاشكاليات والتي لا تزال موجودة في تفكيرهم. لعله من الايجابي ان نسمع حبيب وهو يؤكد ان الاخوان المسلمين «لن يستخدموا العنف كوسيلة للتغيير لأن ذلك يعطي شرعية لاستخدام العنف ضدهم»، ولكن من الصعب حمله على إعطاء إجابة واضحة ومحددة حول وجهة نظره في الدور الذي يمكن ان تلعبه الشريعة في المجتمع المصري، اذا قدر للاخوان المسلمين ان يصلوا الى السلطة. فهل ستكون حكومتهم دينية ام مدنية؟ يقول حبيب ان حكومتهم ستكون مدنية، إلا ان الحرية ستكون من خلال إطار ديني، «لن تجبر النساء على ارتداء الحجاب»، إلا ان الاخوان المسلمين لن يتهاونوا مع «العري وعدم احترام الآداب العامة». ترى من الذي يحدد تعريفا لهذه الأشياء؟ قال حبيب في نفس السياق انهم سيفرضون «بالتأكيد» رقابة على الموسيقى والفيديو ويضعون حدا للحفلات المفتوحة. وماذا عن المسيحيين في مصر؟ يقول حبيب انهم سيعاملون كمواطنين عاديين مع منحهم كافة حقوق المواطنة، لكنه اضاف انهم سيكونون خاضعين للشريعة الاسلامية مع بقية المسلمين المصريين. هذه القضية اثارت مشاكل غير مسبوقة في الدول التي يوجد فيها مواطنون مسيحيون مثل نيجيريا وباكستان. كما اشرت مسبقا، يجب إشراك الاخوان المسلمين في الحوار حول الإصلاحات في مصر لأن الديمقراطية لا تستبعد احدا، كما من المهم ايضا نشر آرائهم حتى نتمكن من مواجهة أفكارهم التي تتسم بالتناقض او الاشكاليات. فإذا ارادوا ان نصدق انهم تغيروا بالفعل وإنهم يعتزمون المشاركة في الاصلاح في مصر، لماذا إذن انسحبوا من المظاهرة المشتركة للمعارضة التي تقرر تسييرها في الآونة الاخيرة، اثر ترديد بعض المتظاهرين شعارات مناوئة للحكومة؟ لا ينبغي ان يتخذ الاخوان مثل هذه الموقف، لأنه فقط سيغذي الشائعات التي ترددت حول إبرام اتفاق بين الاخوان والحكومة يلزمهم بعدم المشاركة في أي نوع من المواجهة مع الحكومة، لقاء حصولهم على المزيد من المقاعد في البرلمان. إلا ان عاكف وحبيب نفيا ذلك. اخيرا، يجب ان تدري الحكومة المصرية ان افضل طريقة للتعامل مع جماعة الاخوان المسلمين، ليست حظر الجماعة او وضع اعضائها في السجون. افضل طريقة هي توسيع الفضاء السياسي حتى تظهر بدائل للاخوان، اذ ان استمرار حظرهم من ممارسة العمل السياسي ليس هو الحل الأمثل. ------ صحيفة الشرق الاوسط اللندنية في 8 -8 -2005