هل أذهب للإدلاء بصوتى فى انتخابات رئاسة الجمهوية، أم أقاطعها مفضلاً الانشغال بشئ مفيد؟ هذا السؤال هو أكثر ما يلح على المصريين الآن، وهو لا يخلو من حيرة، ذلك أن كلاً من الخيارين (المشاركة أو المقاطعة) يعنى انحيازاً إلى موقف له دوافعه ومبرراته. المقاطعة هى أول ما يطرأ على الذهن، فهى أبسط رد على سلسلة المواقف المعادية للديمقراطية التى ارتكبها الحزب الوطنى ورجاله المسيطرون على مؤسسات الدولة، حيث تم تفريغ تعديل المادة 76 من الدستور من محتواه، ولم يتبق منه إلا أنه أقر فكرة الانتخابات الرئاسية بدلاً من الاستفتاء من حيث المبدأ، لكنها عمليا انتخابات تشبه الاستفتاء، أو استفتاء أطلقوا عليه اسم انتخابات. فالقيود التى فرضت على حق المواطن فى الترشيح للمنصب الرفيع صادرت هذا الحق بالكلية، وجعلته أى الحق فى الترشيح حكراً على الحزب الحاكم، بدليل أن كل المستقلين فشلوا فى الوفاء بشرط الحصول على تزكية 250 عضوا فى مجلسى الشعب والشورى والمجالس المحلية، وكثير من هؤلاء المستقلين كان مدفوعاً من الأجهزة التى أرادت تسخيف فكرة الترشيح، لدرجة أن أحدهم ذهب إلى لجنة تقديم طلبات الترشيح وفى يده "كيس بلاستيك" مطالباً بمبلغ نصف المليون جنيه، الذى أعلن أن كل مرشح سيحصل عليه، ليضعه فى الكيس! وحتى قيادات الأحزاب التى تقدمت للترشيح لم تسلم من تدخل الحزب الحاكم، وقد استبعد بعضها بمزاجه بفضل سيطرته على لجنة شئون الأحزاب، التى تملك "تجميد" أى حزب، كما تملك "تسييله" أى تحويله إلى حزب سائل لا قوام له ولا قدرة. ولم يكتف الحزب الحاكم بهذا، بل أصر على اختزال فترة الدعاية الانتخابية فى أيام معدودة لا تكفى ليقدم المرشح برنامجه إلى سكان محافظة واحدة، بل لا تكفى لتغطية حى واحد من أحياء القاهرة، والأسوأ من هذا كله أن الحزب الحاكم قام بإعداد جداول الانتخابات بما يضمن له أن يسيطر على هذه الانتخابات وأى انتخابات أخرى إذا بقى الحال على ما هو عليه. والحال كذلك فإن المشاركة بالتصويت لن تكون أكثر من "ديكور" ديمقراطى يجمل واقعاً ديكتاتورياً. من ناحية أخرى يجد الداعون إلى المشاركة ما يعضد دعوتهم، فالمقاطعة تتيح المجال للتزوير، سواء بالتلاعب فى النتيجة أو حجم المشاركة، واهتمام الحزب الحاكم بتصويت أكبر عدد من الناخبين فرصة ربما لا تتكرر للأحزاب كى تحشد مؤيديها وتسجلهم فى الجداول الانتخابية، هذا التسجيل الذى سيساعد رجال الإدارة على إجرائه الآن استجابة لتوجيهات الحزب الحاكم، وهم من رجاله، أما فى الانتخابات البرلمانية فإنهم سيسعون بكل الوسائل غير المشروعة لحرمان المعارضين من حق القيد فى جداول الناخبين، كما فعلوا من قبل. إضافة إلى أن الانتخابات الرئاسية بحكم نتيجتها المعروفة سلفاً ستكون أشبه ب"المباريات الودية" التى تؤديها الفرق الرياضية لاكتساب لياقة المباريات والتدريب على طرق "اللعب"، ستكون فرصة لاختبار قدرة كل حزب على حشد الأنصار والمؤيدين لمرشح الحزب، أو للمرشح الذى يؤيده الحزب، وفرصة لدعاة كل حزب كى يتجولوا بحرية واسعة بحكم المتابعة الدولية للانتخابات فى مصر من أقصاها لأقصاها آمنين من شر "قانون الطوارئ" وتوابعه من اختطاف وضرب. الخلاصة أن المقاطعة موقف يحرم الحزب الحاكم من استكمال جانب من الديكور الديمقراطى لكنها تيسر على المزورين عملهم، وهى أيضاً تضيع على الأحزاب فرصة مواتية للدعوة إلى مبادئها وتنشيط عضويتها وتسجيل مؤيديها فى جداول الناخبين. أما المشاركة فهى تسبغ على الانتخابات الرئاسية شرعية هى فى حاجة إليها، لكنها فى المقابل تمثل فرصة للنمو لأحزاب المعارضة، وربما كان السؤال الفارق الذى يحسم الأمر لصالح أحد الخيارين هو: هل تملك أحزاب المعارضة القدرة على النمو؟!