وقعت يدى الأسبوع الماضي على ثلاثة مقالات لثلاثة كتاب يصنفون باعتبارهم ليبراليين وعلمانيين يدعون الإعلاء من قيمة العقل، عندما قرأت مقالاتهم وأعدت قراءتها خرجت بنتيجة مؤسفة مفادها أن هؤلاء الكتاب قدموا على حين غفلة منهم نموذجًا صارخًا لتغييب العقل واستهياف القارئ. الحالة الأولى كانت الدكتور سعد الدين إبراهيم وهو شخصية أكاديمية يفترض فيه تشبعه بالمنهج العلمي العقلاني الذى يدرسه لطلابه وينادى بتطبيقه في الحياة كسبيل لمفارقة حالة التخلف إلى حالة النهضة والتطور، كتب الدكتور سعد مناديًا بوجوب إعادة انتخاب الرئيس بعد الانتهاء من صياغة الدستور والاستفتاء عليه، وراح يدلل على وجوبية ذلك، مستندًا إلى أدلة واهية تجافى العقل والمنطق ذلك أنه اعتمد في التدليل على صحة ما نادى به على أن انتخابات الرئاسة شابها تزوير فج كان أبرزها تسويد بطاقات لصالح الدكتور مرسى في المطبعة الأميرية ثم يعود ويعترف بأن تلك البطاقات تم استبعادها ولم تدخل في حسابات المرشح وهذا يدحض تأثير تلك الواقعة في النتيجة النهائية للانتخابات فكيف يا سيادة الدكتور تعترف بذلك ثم تعتمد على واقعة تم دحضها للدليل على وجهة نظرك(؟!) ثم يقول الدكتور سعد إن هناك أقباطًا تم منعهم من الذهاب للتصويت في بعض القرى، وقد فندت اللجنة المشرفة على انتخابات الرئاسة هذه الواقعة، وقالت إن ذلك تكرر في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة وأن ذلك الاحجام يرجع إلى سلوك المواطنين وليس لوجود مانع قهري أدى إلى منعهم، ويضيف الدكتور دليلًا واهيًا آخر كدليل على صحة وجهة نظره ويقول: إن الرئيس قد فاز بفارق ضئيل لا يتعدى ال 1% (!!) اذكر بهذه المناسبة أن طوال عقود مضت كانت النخبة السياسية تدلل على صحة وعافية الديمقراطية في المجتمعات الغربية بقولها إن الرئيس هناك لا يفوز سوى بفارق بسيط لا يتجاوز ال 1% فلما أنعم الله سبحانه وتعالى علينا وعشنا وشفنا رئيسًا مصريًا منتخبًا يفوز بهذا الفارق انقلبت علينا نفس النخبة، ليقولوا إنه فارق ضئيل ويشوب شرعية الرئيس المنتخب بالعوار(!!!) دكتور سعد قد يكون هناك بعض الأسانيد التى يمكن الاعتماد عليها لإثبات وجوبية إعادة انتخاب الرئيس بعد إقرار الدستور بيد أن أسانيدك التي اعتمدت عليها فندتها كلها اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات، وأثبتت عدم صحتها وأنت يا سيادة الدكتور كنت وما زلت تنادى باحترام أحكام القضاء كأحد أركان الدولة المدنية، فلماذا هنا تتجاهلها وتنقلب عليها(؟!) الحالة الثانية كانت للكاتب سليمان جودة الذي خصص مقاله للدفاع عن خروج قناة دريم على القانون(!!)، علما بأن ذلك يهدر على الدولة 62مليون جنيه سنويًا تضيع بسبب بث قنوات دريم برامجها من استديوهات خاصة بها خارج مدينة الإنتاج الإعلامي، وراح يطالب الرئيس برد الجميل لقنوات دريم التي كانت أحد المنافذ الإعلامية التي أطل منها الإخوان المسلمون في زمن القهر والاستبداد، المدهش والمحير أن الكاتب لم ينكر خروج قناة دريم على القانون ببثها برامجها من خارج استديوهات مدينة الإنتاج الإعلامي بيد أنه يرى أنها لم تبعد عن مدينة الإنتاج الإعلامي سوى ب800متر(!!) وهذه مسافة لا تستحق من الدولة اتخاذ إجراء مع دريم لإعادتها للصواب والحق أسوة ببقية القنوات، سليمان جودة يريد استثناء دريم وعدم تطبيقها القانون عليها(!!) حين تقرأ المقال لا تقاوم الإحساس بالمرارة من دفاع كاتب عن الخروج على القانون وستتساءل معي في حيرة، هل المصالح المتشابكة والمشتركة للكاتب مع قناة دريم تدفعه للتضحية بمصداقيته وتغييب عقله واستهياف عقول قارئيه(؟!) أما الحالة الثالثة فقد كانت الكاتب محمد أمين الذى بدأ مقاله قائلًا: الله الله.. رأيت دموع البابا كحبات اللؤلؤ، الحق أقول كنت أمام التليفزيون عندما مد البابا تواضروس يديه بمنديل ليمسح دموعه في مشهد مهيب، بيد أنني لم أر دموع البابا، ذلك أن النظارة الطبية التي يستعين بها قداسته حالت دون ذلك ، فلا أدرى كيف شاهد الكاتب دموع البابا من وراء النظارة؟! وكيف رآها صافية كاللؤلؤ (؟!) إن بداية المقال تنضح بالتزيد والنفاق والرياء، غير أن المشكلة ليست في ذلك باعتبار أن الكاتب حر في أن يبدي ما يشاء من مشاعر الوله والإعجاب بدموع قداسة البابا، لكن المشكلة تتمثل في أن الكاتب راح يفسر بكاء البابا تفسيرًا قصريًا زائفًا لا علاقة له بالحالةالتي كان يعيشها قداسة البابا، قال الكاتب محمد أمين إن بكاء البابا إنما هو خوف على مصر… سيناء تضيع.. دماء الشهداء على القضبان.. جماعات تكفيرية تملأ البلاد كل شيء يدعو للحزن… لا شيء يدعو للفرحة لا شيء فيها يجعلك مبتهجاً، نحن نعلم أن الحالة التي بكى فيها البابا هي لحظة تجليسه على كرسي الباباوية، وهي لحظات تاريخية أعتقد أنها تسيطر على مشاعر البابا بل والحضور جميعًا ولذا من المنطقي والعقلانية أن نفسر ما يحدث خلالها في ضوئها واتساقًا معها، نحن نتفق مع الكاتب محمد أمين أن ما ذكره من مآسي يستحق بكاء البابا وشيخ الأزهر وكل رجال الدين وعلمائه، بيد أن تفسير الكاتب لدموع البابا خلال لحظات تجليسه على هذا النحو يشي بالتعسف وعدم الموضوعية وتغييب العقل. [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]