تداولت الصحف المصرية الأسبوع الماضى، قصة معلمة العلوم بمدرسة الحدادين الابتدائية المشتركة بالأقصر، التى قامت بقص شعر تلميذتين بالصف السادس الابتدائى لعدم ارتدائهما الحجاب، وقد صارت الإجراءات القانونية فى مجراها ونالت المعلمة إيمان جزاءها، الذى تمثل فى خصم راتب شهر من مرتبها، ونقلها من المدرسة التى شهدت الواقعة لمدرسة أخرى.. بذلك أقفل ملف الواقعة إداريًا وتنظيميًا، بيد أنه يظل مفتوحًا اجتماعيًا للدراسة والتحليل؛ كى نستخلص منه الملاحظات والدلالات الكاشفة عن مدى ما وصل إليه المجتمع من فوضى، وتسيب، وتداخل، وإهمال فى الاختصاصات والأدوار. أول ما يلفت الانتباه فى هذه الواقعة، أن بطلة القصة معلمة للعلوم الطبيعية وليست معلمة للعلوم الشرعية أو التربية الدينية أو التربية الأخلاقية، وهذا معناه أن مهمتها الأساسية التى تتقاضى أجرها عليها تتمثل فى إكساب التلاميذ معارف ومهارات متعلقة بالعلوم الطبيعية، وهذه المهمة تمثل فرض عين عليها لا ينهض به أحد سواها، وتأثم إذا قصرت فى أدائه على الوجه الأمثل، ومن ثم كان الأجدر بها أن توجه جل اهتمامها وكل وقتها ومجهودها لإنجاز هذه الفريضة المهنية الوطنية، وإذا كان لديها فائض من وقتها ومجهودها وترغب فى التطوع للقيام بالتربية الأخلاقية لتلاميذها، كان الأجدر بها أن تدعو إلى سبيل ربها بالحكمة والموعظة الحسنة وتجادل تلاميذها بالتى هى أحسن. أظن أن ما بذلته الزميلة معلمة العلوم من وقت وجهد فى سبيل دعوة تلميذاتها إلى ارتداء الحجاب كان على حساب الوقت والجهد المخصص لتدريس العلوم الطبيعية، وهذا يشير إلى تقصيرها فى النهوض بدورها الأساسى، وهو فرض عين عليها لن ينهض به أحد سواها، كما تشير الواقعة إلى أن الزميلة معلمة العلوم الطبيعية قد نصبت من نفسها داعية ومشرعًا يحدد العقوبات، وسلطة تنزل العقوبات بالمخالفين فى تجاوز صارخ لحدود دورها، وقد يعزى ذلك إلى تشوش ذهن معلمة العلوم بثقافة دينية منقوصة ومبتورة، أغلب الظن مصدرها القنوات الفضائية، وهذا يشير إلى أنها ضحية ومجنٍ عليها أكثر مما هى جانية. تشير الواقعة أيضًا إلى غياب السلطة الشرعية داخل المدرسة، ممثلة فى الإدارة المدرسية، إذ أين كانت الإدارة المدرسية عندما أهملت معلمة العلوم تدريس مادتها الأساسية وقامت بدعوة تلميذاتها لارتداء الحجاب وتكرار ذلك والتحذير بالعقوبات؟.. ثم إنزال العقوبة بالتلميذتين المخالفتين؟؟، ولعل هذا يكشف عن بعض أسباب تدهور العملية التعليمية فى مصر لدرجة أصبح معها الكلام عن إصلاح التعليم حديث الصباح والمساء لكل الحكومات المتعاقبة منذ عقود من الزمن ولا فائدة!!. فى الواقع، إن الحادثة مسكونة بملابسات كاشفة ودالة عن مدى خلط الاختصاصات والأدوار وتداخلها، وترك ما هو ضرورى وفرض عين للنهوض بما هو أقل أهمية وفرض كفاية، الواقعة فى مجملها كاشفة عن مدى استهياف السلطة الشرعية المتمثلة فى الإدارة المدرسية، وهو امتداد ونتاج طبيعى لاستهياف الشعب للسلطة الشرعية المحلية والمركزية فى البلاد، إما لتقاعس تلك السلطات فى النهوض بأدوارها مما جعل أفراد من الشعب ينهضون هم نيابة عنها بهذه الأدوار، وإما لاستهبال هؤلاء الأفراد وتخطى اختصاصاتهم وتجاوزها وقيامهم بأدوار ليست لهم، وللأسف على حساب أدوارهم الأساسية المكلفين بها، الأمر الذى يشير إلى أهمية تحرك السلطة الشرعية ونهوضها بأدوارها لتسد الطريق أمام هواة ممارسة السلطة، مع ضرورة الحسم القانونى مع من يتجاوزن حدودهم واختصاصاتهم ويهملون أدوارهم. الواقعة فى مجملها كاشفة عن عورات وسوءات اجتماعية وثقافية وإدارية متجذرة فى جنبات المجتمع، الأمر الذى يشى بضرورة التركيز على تثقيف وتنوير وتوعية أفراد الشعب بأدوارهم، وأهمية النهوض بها، مع احترام أدوار الدولة والوقوف عند حدودها. [email protected]