اعتاد الأفغاني أن يغير لقبه كلما انتقل من بلد إلى آخر، فقد رأيناه في مصر وتركيا يلقب نفسه ب (الأفغاني)، بينما هو في إيران يلقب نفسه ب "الحسيني"، ويتضح من أوراقه المحفوظة أنه كان يتخذ ألقاباً أخرى مازلنا مع جمال الدين الأفغانى، نبى المتنورين، وحجة الليبراليين، وإمام الضالين المضلين، فهو كما ذكرنا فى المقال السابق لا يُعرف له أصل مؤكد، ولا ملة واضحة، ولا انتماء ثابت، ولا حتى لقب واحد، فقد اعتاد الأفغاني أن يغير لقبه كلما انتقل من بلد إلى آخر، فقد رأيناه في مصر وتركيا يلقب نفسه ب (الأفغاني)، بينما هو في إيران يلقب نفسه ب "الحسيني"، ويتضح من أوراقه المحفوظة أنه كان يتخذ ألقاباً أخرى، منها: الإستانبولي، والكابلي، والروسي، والطوسي، والأسد آبادي. كان الأفغاني يغير زيه ولباس رأسه مثلما كان يغير لقبه؛ فهو في إيران يلبس العمامة السوداء التي هي شعار الشيعة، فإذا ذهب إلى تركيا ومصر؛ لبس العمامة البيضاء فوق طربوش تارة، وبغير طربوش تارة أخرى، وقد لبس الطربوش مجرداً في أوروبا أحياناً، أما في الحجاز؛ فقد لبس العقال والكوفية، وقيل إنه في بعض جولاته لبس العمامة الخضراء، ومن يدري؟! فربما لبس القبعة أحياناً، وفى كتاب "صحوة الرجل المريض" عدة صور له بأزياء مختلفة تعكس بيئات وانتماءات وأصول مختلفة. ويقول الدكتور عبد المنعم محمد حسنين في صفحة 9 من كتابه: "جمال الدين الأسد آبادي": )كان شيعياً جعفري المذهب(، ولم يصدر هذا الحكم إلا بعد أن قرأ رسائل الأفغاني التي نشرت بعد وفاته؛ لذا يقول في (ص10-11): "وإن الأدلة التي تثبت أن جمال الدين إيراني شيعي المذهب كثيرة وقاطعة". ولم يكتف الدكتور عبد المنعم حسنين بإثبات شيعيته، بل يؤكد أنه متعصب لمذهبه في (ص35-36): «بل لقد كان جمال الدين متعصباً لبلاده ومذهبه الشيعي، حتى في اتخاذ من يقوم بخدمته ويعنى بمصالحه الخاصة، فقد اتخذ خادماً له يدعى "أبا تراب"، وكان هذا الخادم ملازماً له أينما ذهب؛ كما كان أميناً على أسراره الخاصة، واسم أبي تراب من الألقاب الخاصة بعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه، ويشبه هذا حرصه على أن يوقع باسم جمال الدين الحسيني؛ فإنه يرجح أنه شيعي إيراني؛ لأن لقب الحسيني له معنى خاص عند الشيعة الإيرانيين؛ لشدة تعلقهم بآل البيت، ولاسيما الحسين بن علي». يقول ميرزا لطف الله أسد آبادي (ابن أخت جمال الدين المشهور بالأفغاني) في كتابه « جمال الدين الأسد آبادي » ( ص 34) : "وكان كشف حقيقة جمال الدين أمام السلطان عبد الحميد ضربة قاضية وجَّهها مظفر الدين شاه إلى جمال الدين بوثيقة سلمها علاء الملك سفير إيران في تركيا إلى الحكومة التركية تثبت بالأدلة القاطعة أن جمال الدين إيراني شيعي يختفي في ثياب الأفغان، ويتّخذ المذهب السني ستاراً يحتمي به". وكان الأفغاني على صلة قوية ب "البابية"؛ وهى من المذاهب الخطرة والفلسفات المعادية للإسلام، ولليهود فيها يد طولى، وفي مؤتمر برشت سنة 1843م أعلن البابيون انسلاخهم عن الإسلام، وحاربوا الإسلام واللغة العربية، ودخلوا مع الحكومة في فارس في حروب ومنازعات أدَّت في النهاية إلى إصدار الحكم بإعدام الميرزا (النقطة)، وخبا صوت هذه الفلسفة الضالة حيناً غير طويل من الزمان، ثم أخذ أتباعه يعملون في الخفاء والسرية، ودخل فيه عدد من اليهود. وفي عام 1868 خرجت البابية من عكا باسم جديد هو (البهائية)؛ نسبة إلى زعيمها الجديد "ميرزا حسين علي المازندراني"، الذي يلقب ب "بهاء الله"، واتفق أن البهائية أصبحت وجهاً آخر لليهود، وأثبت كثير من المحققين انتساب جمال الدين الأفغاني إلى هذه النحلة الباطنية الخبيثة. ومن الأمور التي لم يختلف فيها المؤرخون المحققون أن الأفغاني كان رأساً كبيراً في الماسونية العالمية، فقد انضم إلى المحفل الماسوني البريطاني، وتركه بعد كلمة ألقاها في المحفل عاب فيها عليهم عدم التدخل في السياسة، وقال فيها: «دعوني أكون عاملاً ماسونياً نزيهاً متجنباً للرذائل، إذا لم يكن حرصاً على شرف شخصي، تخوفاً من أن تعاب الماسونية بي، فيتخذني الأغيار سهماً للطعن بها وهي براء منه، وما ذنب الماسونية إلا أنها قبلتني بين أفرادها دون اختيار صحيح، وأبقت عليّ من غير تبصُّر"؟! ثم انتقل (الأفغانى) بعد ذلك إلى المحفل الماسوني الفرنسي، ووجه إليهم خطاباً يطلب فيه الانضمام إليهم، قال فيه: "يقول مدرس العلوم الفلسفية بمصر المحروسة جمال الدين الكابلي الذي مضى من عمره سبعة وثلاثون سنة، بأني أرجو من إخوان الصفا، وأستدعي من خلان الوفا، أعني أرباب المقدس الماسوني، الذي هو عن الخلل والزلل مصون (!!) أن يمنوا عليَّ ويتفضلوا إليَّ بقبولي في ذلك المجمع المطهر، وبإدخالي في سلك المنخرطين في ذلك المنتدى المفتخر، ولكم الفضل". وبعد ثلاث سنوات أصبح من أهم رجال المحفل الماسوني، بل تم اختياره رئيساً له. فى القاهرة اتخذ الأفغاني من خمارة "ماتنيا" ومقهى "البوسطة" وكلاهما في العتبة الخضراء، قرب ملهى الأزبكية منتدى لسهره وسمره مع أصدقائه وتلامذته في مصر، واتخذ أعوانه ومساعديه من اليهود والنصارى، ومنهم يعقوب صنوع اليهودي صاحب الأموال، وأبو نظارة النصراني والذي رثاه في «العروة الوثقى»، وسليم عنجوري النصراني الذي تسلم صحيفة "مرآة الشرق". كانت نشاطاته سرية؛ ولذلك أنشأ الجمعيات السرية، بل هو الذى أنشأ الجمعيات السرية فى مصر، وهى نهج يهودى كما نعرف، فكان حيثما حل يؤسس الجمعيات السرية وينشرها، وكان يهتم بالسياسة، ويؤثر بالأحداث السياسية في كل بلد يدخلها؛ كالهند، وأفغانستان، وإيران، ومصر، وتركيا، وسعى في كل بلد إلى إسقاط حاكمها وإثارة الشغب ضده. جاء في كتاب "لمحات اجتماعية في تاريخ العراق الحديث" للوردي (ج3 ص113) على لسان صديقه سليم عنجوري: "كان (الأفغاني) يكره الحلو ويحب المر، ويكثر من الشاي والتبغ، وإذا تعاطى مسكراً، فقليلاً من الكونياك"، وأكد ذلك محمد رشيد رضا فى كتابه "تاريخ الأستاذ الإمام محمد عبده". أيضاً كان جمال الدين ممن يشجع على السفور، بل هو باذر نبتته، فقد نقل أحمد أمين عن جمال الدين أنه كان يقول: (وعندي أنه لا مانع من السفور إذا لم يتخذ مطية للفجور)، وقد تبنى هذه الفكرة تلامذته من بعده، ونشروها بكل جد واجتهاد، وبالأخص تلميذه محمد عبده. وذكر الشيخ يوسف النبهاني مفتي بيروت أنه اجتمع به أي بالأفغاني سنة 1287 ه في مصر حين كان مجاوراً بالأزهر ولازمه من قبل المغرب إلى قرب العشاء فلم يصل المغرب، كما ذكر مثل ذلك عن تلميذه محمد عبده، فقال :الذي أعلمه من حال الشيخ محمد عبده، وكل من عرفه يعلمه كذلك، أنه حينما كان في بيروت منفياً كان كثير المخالطة للنصارى والزيارة في بيوتهم والاختلاط مع نسائهم بدون تستر، هذا مما يعلمه كل من عرف حاله في هذه البلاد، فضلاً عن أسفاره المشهورة إلى بلاد أوروبا واختلاطه بنساء الإفرنج وارتكابه المنكرات من شرب الخمر وترك الصلوات، ولم يدّع هو نفسه الصلاح، ولا أحد توهمه فيه، فكيف يكون قدوة وإماماً في دين الإسلام، نعم هو إمام الفساق والمرّاق مثله، ولذلك تراهم على شاكلته، لا حج ولا صلاة ولا صيام ولا غيرها من شرائع الإسلام. ومازال الحديث ممتداً عن كشف حقيقة الأصنام التى صنعها الغرب ورفعها كالنجوم فى سماء العالم الإسلامى ليهتدوا بها إلى الضلال. [email protected]