للمرة الأولى أشعر أنّنا الأقوى والأكثر ثباتاً، والأشد ببأس، وأنّ النصر فعلًا له مذاق خاص، استشعرناه من المواجهة المستمرة لليوم الثالث مع الكيان. هذه المشاعر والأحاسيس ليست مبالغة، أو رفع معنويات، بل هى حقيقة تتذوقها من جنون هذا الكيان المتغطرس الذى يقصف ليل نهار دون أنّ يتمكن سوى من الأطفال والأبرياء، طائراته وصواريخه تغطى سماء غزة، ولكن لم يفلح بمنع طير الأبابيل من رجم عمقه وبلداته، وإجبار شعبه على الاختباء فى معلبات الملاجئ، وأنابيب المجاري، كما أجبر قادة الكيان على الاستغاثة، والإحساس بتجرع الهزيمة، الحقيقية. ربما من يقرأ لى يُدرك واقعيتى بوصف الحقائق مهما كانت مؤلمة لنا وعلينا، لا أحابى أحداً حتى مقاومتنا الباسلة، ولذلك لم أشعر بالقوة ونكهة ولذة النصر الفعلية والحقيقية سوى فى هذه المواجهة الّتى ورغم ما حققته على الأرض للآن، إلَّا أنّها ما زالت تمتلك الكثير، وكنت على يقين دومًا أنّ مقاومتنا لو صمدت وقررت الصمود والمواجهة الفعلية تجبر هذا العدو أنّ يحبو صاغرًا، خاضعًا، خانعًا، متوسلًا، ويُدرك أنّ غزة عصية على الانكسار، وعصية على الخذلان، وعصية على الركوع، فإن هادنته فإنها لا تستسلم له، ولا تركع له، وأى درسُ يتعلم هذا الغبى الآن فى غزة؟ إنه درس الحقيقة الذى لم يواجهه منذ عقود، والمواجهة الفعلية الّتى شكّلت بها مقاومتنا الباسلة عبقرية فى الفعل وقيادة المعركة، وغرفة عمليات موحدة، وتنسيق كامل فى الميدان، وهذا ما طالبنا به سابقًا، ها هو يتحقق ويسجل طير الأبابيل الفلسطينى نصرًا فعليًا على الأرض بعيدًا عن تشدقات الساسة، وأبجديات خطايا السياسة، وزخرفة مصطلحاتها. إنّها لحظة الحقيقة التى يجب أن يترك فيها للمقاومة الحديث والتعبير عن نفسها، وقول كلمة الفصل فى الميدان، لتلجم هذا الكيان المسخ، وتلجم غطرسة وعنجهية قياداته الّتى أؤمن أنّها الآنّ تضرب كفًا بكف أمام جهنم التى انصب سعيرها على رءوسهم، والقادم أكبر وأعظم إن رُفعت الأيادى عن مقاومتنا، وكفت عن الضغط عليها لفرض هدنة إجبارية، عليهم أن يتركوا للمقاومة تحديد معالم المعركة وحدودها، وآلياتها ووقت هدنتها، وحينها سيجدون كم هذا العدو ضعيف وسخيف وهش، وكم هى هشاشة جبهته الداخلية وقصر نظر مطبخه السياسى والعسكري. فغزة الجريحة لم تتألم فى هذه المواجهة كما تألمت سابقًا لأنّها اليوم تشهد صلابة وبسالة مقاومتها، وجنون عدوها الذى أصبح كمن مسه الجن والشياطين فى قصفه وجنونه الذى لم يحقق حتى راهن اللحظة أى أهداف. وواهم من يعتقد أنّ هذا العدو يمتلك الجرأة على اقتحام غزة برًا لأنّه إن اقتحمها لن يخرج منها سالمًا، وسيجمع أشلاء جثامين جنده من كُلّ شارع تطأ أقدامه فيه. ولكى نحقق ما نصبو له ونحقق نصراً لمقاومتنا لا بد من: أولاً: رفع الأيادى السياسية عن المقاومة وترك المجال لها لقيادة وإدارة معركتها. ثانيًا: نصرتها من شعبنا فى الضفة الغربية ولفظ حالة الصمت. ثالثًا: نصرة شعوبنا العربية والضغط على دولها، وخاصة التى لديها سفراء صهاينة لطرد هؤلاء. رابعًا: على فصائلنا فى الخارج وخاصة فى دول المواجهة ملاحقة أهداف العدو ومصالحه. خامسًا: أن يتم لجم العدو إن أراد تهدئة باتفاق دولى برعاية قوى دولية كبيرة للجم اعتداءاته على غزة وأبطالها وقياداتها، بل وعلى كلّ أبناء شعبنا الفلسطيني.