في "مفكرة الإسلام" www.islammemo.cc قرأتُ أنَّ صحيفة "صوت الحق والحرية" التونسية ذكرت أنَّ وزير الداخلية التونسي الهادي مهنِّي أعلن في مؤتمر صحافي في العاصمة التونسية أن وزارته، وعملاً ب "السياسة القومية التي ينتهجها صانع التغيير"، أي الرئيس التونسي، تعتزم عمل "بطاقة مغناطيسية" لكل مصلٍّ من أجل "تنظيم الصلوات" في المساجد، التي يحتاج ارتيادها إلى "ترشيد"، وإنهاء ل "الفوضى". "بطاقة المصلِّي" ستتضمَّن صورة المصلِّي، وعنوانه، واسم المسجد الذي ينوي ارتياده، والذي يجب أن يكون قريبا من منزله، أو عمله. وعلى أئمة المساجد أن يتأكدوا أنَّ المصلِّين في مساجدهم يحملون بطاقاتهم، وأنْ يطردوا كل مصلٍّ لا يحمل بطاقته، أو يحمل بطاقة تتضمَّن اسم مسجد آخر غير الذي جاء للصلاة فيه. وستُزوَّد المساجد آلات مغناطيسية، فيُسجِّل كل مصلٍّ اسمه عند الدخول وعند الخروج، ويقوم الإمام بإرسال "السجل" إلى الدائرة الحكومية التي يتبع لها المسجد. وبحسب الإجراءات الجديدة، تقوم علاقة منتظَمة بين المصلِّي وبطاقته وبين أقرب مركز للشرطة. إذا اضطُّرت الحكومة إلى الدفاع عن موقفها، وشرح وتفسير ما تقصده في عبارة "ترشيد المساجد وإنهاء الفوضى فيها"، فسوف تقول، على ما نتوقع، إنَّ المساجد دور للعبادة الخالصة، ولا بد، بالتالي، من تنزيهها، مكانا ومصلِّين وخطبة، عن السياسة، والحيلولة بينها وبين التحوُّل إلى مدارس وأوكار للإرهاب والإرهابيين، ف "الإجراءات والتدابير الأمنية والتنظيمية والترشيدية" تلك يجب أن تُفهم على أنها خدمة حكومية للدين والمؤمنين، للمساجد والمصلِّين. إنَّ "المسجد" هو المكان الوحيد عندنا الذي لم تجرؤ دولنا الأمنية على إدراجه في طائفة قوانينها التي تلغي فيها حق المواطنين في "التجمُّع الحر"، وفي الاستماع إلى خطب يجتهد ملقوها (الأئمة) في تبيان رأي الدين (الإسلامي) في قضايا وأمور غير دينية، وبعضها سياسي، وموقفه منها.. "وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ". لقد كان "المسجد"، في معانيه وخواصه تلك، الثغرة الكبرى في جدار الأمن الذي تبتنيه وتعززه دولنا الأمنية، التي لحاجتها إلى أن تلبس اللبوس الديني، ومجاملة المشاعر الدينية لرعاياها، ظلت مبقية على تلك الثغرة حتى أدخلت إدارة الرئيس بوش العالم الحرب على الإرهاب بعد هجمات الحادي عشر من أيلول 2001. نعلم أن "البطاقة المغناطيسية"، وما يشبهها من إجراءات وتدابير أمنية وبوليسية، تقع في نفس الرئيس بوش موقعا حسنا، وتجعله أكثر انحيازا إلى وجهات نظر حكوماتنا في شأن "الإصلاح السياسي والديمقراطي"، أهدافا وطرائق وسبلا، كما تجعله أكثر مهادنة لها في اتخاذها "ضرورات الحرب على الإرهاب" ذريعة لإطالة عمر الدولة الأمنية، والإبقاء عليها في بروج مشيَّدة. ولكننا نعلم، أيضا، أن دولنا الأمنية ومعها إدارة الرئيس بوش تعلم أن تلك البطاقة، وغيرها من الإجراءات والتدابير الأمنية والبوليسية، لا تتمخض، ولا يمكنها أن تتمخض، إلا عن نتيجة واحدة لا غير هي مد الإرهاب والإرهابيين وأهل التكفير وقوى التزمت الديني بمزيد من أسباب الحياة والقوة والنمو، ونقل الحقوق والحريات الديمقراطية والمدنية لمواطنينا من زنزانة "قانون الطوارئ" إلى زنزانة "قانون مكافحة الإرهاب". إنَّ مصلحة شعوبنا ومجتمعاتنا في التطور الديمقراطي، وفي مكافحة الإرهاب وأهل التكفير وقوى التزمت الديني، تقضي بتحرير المساجد والمصلِّين والمؤمنين من القبضة الأمنية والبوليسية، فالإرهاب مع قواه الفكرية لا ينبع من المساجد، وإن صبَّ فيها بين الفينة والفينة. إنه ينبع من الدولة الأمنية، ومن عجزها عن الدفاع عن الحقوق والقضايا والمصالح القومية لشعوبها وأمتها، ومن سياسة الولاياتالمتحدة التي تقوم على إظهار وممارسة مزيد من العداء للعرب في سعيهم إلى التحرر القومي والديمقراطي. وبعضنا يستسهل التعبير عن رأيه في كل ذلك، وعن موقفه منه، بلغة دينية، أو بلغة التزمت الديني. وأحسب أنَّ "البطاقة المغناطيسية"، وما شابهها، يجب أن تجعل المتدينين أكثر علمانية من العلمانيين، ففصل الدين عن الدولة، وعن الدولة الأمنية على وجه الخصوص، إنما هو تحرير للدين والمتدينين من قبضتها، ف "الدولة اللادينية" تفيد الدين والمؤمنين أكثر كثيرا من "الدولة الدينية"، التي لم تلبس اللبوس الديني إلا لتحارب الحقوق والحريات الديمقراطية والمدنية لمواطنيها، أفرادا وجماعات، وليتسنى لها توظيف الدين في خدمة مصالحها الفئوية الضيقة.