فى تعريفى للإدارة، سجلته قبل عقد من الزمان، قلت: إنها الاستخدام الأمثل للعناصر والموارد، الإمكانات المتاحة إجمالاً، والعمل المستمر لإيجاد عناصر وموارد، إمكانات إجمالاً جديدة ومتجددة وولادة، فى ظل رؤية شاملة، ومنهاج علمى وعملى فى التفكير والحركة، للوصول بالإنسان والمكان والبيئة، المنظومة إجمالاً إلى أفضل وضع ممكن. ثم عرفت الإنسان بأنه كل إنسان، فلاح وصانع، رئيس ومرؤوس، عامل وعاطل و....، أب وأم وأبناء، وهكذا كل إنسان عائلاً كان أو مُعالاًً. ثم عرفت المكان بأنه كل مكان، مزرعة ومصنعاً، ومؤسسة خدمية كانت أو اقتصادية أو دينية أو رياضية أو أمنية أو ثقافية أو....، منزلا وشارعا وحيا ومدينة وبلدا، بل العالم إجمالاً. وقلت إن الإدارة التى أقصدها، هى تلك التى تبدأ بإدارة الفكر والتفكير والفكرة أولاً، لتأتى إدارة التطبيق والتنفيذ إدارة الحركة إجمالاً على هدى من الأولى، كما عرفت الحركة بأنها القول أو الفعل أو حتى النظرة أو الإماءة أو...، ثم قلت عن البيئة إنها البيئتان المادية والمعنوية على حدٍ سواء. إلى هنا فتلك كانت مقدمة لما هو آت. فى كلمته الأحد 21 أكتوبر 2012، بمناسبة الاحتفالات بعيد القوات البحرية الذى يواكب قيام لنشات الصواريخ المصرية بإغراق المدمرة «إيلات» أكبر وأحدث الوحدات البحرية الإسرائيلية عام 1967، قال الدكتور مرسى: إذا أردنا المستقبل كما نحب، فلابد أن نقف على أرض صلبة فى الحاضر. وأنا بدورى أتساءلك كيف نجعل الأرض التى نقف عليها الآن صلبة كما قال رئيس الجمهورية؟ وكيف نحول كلماته تلك إلى واقع، وألا تظل مجرد كلمات تنضم لأخواتها التى قيلت عبر عقود وقرون مضت دون ترجمة وتحقيق؟ أولاً أن نتخلص من أخطائنا، بعد أن نواجه أنفسنا بها مع الانفتاح على من يهدينا المزيد منها. ثانياً: أن نوقن أن لا نجاح كبيراً ولا حتى صغيراً يمكن أن نحققه إلا بسعىٍ جادٍ، وأن أول السعى فكرٌ، ففكرةٌ ممكنة. ثالثاً أن مصر الآن تحديداً، تحتاج إلى فكرةٍ بل لأفكارٍ ممكنةٍ، مبدعةٍ وكبيرة. رابعاً أن نعى أن أعظم أخطائنا، الانغلاق على فكرتنا وعدم اختبارها بالحوار، ومن ثم توالى الأخطاء، وربما المكابرة بعد ذلك أو الهروب عبر الدفوع النفسية. خامساً أن نعى كذلك أن أعظم ما نعوزه الآن ابتداءً هو الإنسان، الكوادر المفكرة المبدعة، والأخرى الميدانية المنفذة المؤهَلة فالواعية، وقبل ذلك الكوادر الأوائل «الچنرالات» من ذوى الرؤية الأعم الأشمل، التى عليها أن تختار بعد أن تصوغ الانطلاقة والمشوار «رؤية ونهجا ومعايير وآليات وأدوات ومواقيت»، وهنا تبدو واحدة من أخطر مشاكلنا حقيقةً «من الذى سيختار؟»، فالمبدع سيختار قرينه، أما من دون ذلك فسيختار قرينه كذلك، فلنحسن اختيارنا الابتدائى، أرجوكم. سادساً أن نعى الآن، أننا أضعنا على مصر وقتاً عظيماً وفرصاً كذلك، لأننا لم نعِ كل ما تقدم، وأن علينا الآن أن ندرك أن تلك الإدارة التى أعنيها، هى السبيل والسبب بعد إرادة الله وتعاليمه. * أخاطب الأذكياء فقط وأناشدهم، بأن تضمينكم مادة بعينها بالدستور، ما مفاده «بما لا يخالف الشريعة الإسلامية»، من شأنه أن يضعف المادة الثانية باعتبارها «مرجعية وحاكمة» لكل شئوننا ومن ثم لكل مواد الدستور «آلياً»، دون الحاجة إلى ذكرها عند مادة أو أخرى، وكأنك تنفى عن المادة الثانية الأصلية، أنها مؤطرة لكل المواد. * أنا لو من الإخوان لأقدمت على مبادرة فى إطار الدولة بالتأكيد، أشرك فيها علماء من الأزهر والسلفيين والجماعات، للتواصل مع متمردى شمال مالى «حركة أنصار الدين» من أجل ترشيدهم وذلك بدعوة زعمائها، مروراً من الجزائر أو موريتانيا إلى القاهرة، وبرعاية الأممالمتحدة حتى لا تغدر أمريكا فتخطف الطائرة التى ستقلهم كما فعلت فى ثمانينيات القرن الماضى مع الطائرة المصرية التى أقلت أبا العباس ومن معه، بعد حادثة السفينة «آكيلى لاورو»، وهو ما من شأنه أن يسيء ظنون الحركة المالية بنا، أننا شاركنا فى الغدر بهم واصطيادهم، ونفقد ثقة الحركات الأخرى مستقبلاً. كنا نتمنى أن نحقق ذلك مع طالبان وغيرها، ولكن مبارك كان حائلاً بيننا، فما الذى يمنعنا اليوم من أن نفعل فنستعيد مكانة مصر الإقليمية والدولية ودورها الرائد، وقبل ذلك حسبة وطاعة لله، حتى نقى هؤلاء الإسلاميين من أنفسهم ومما يُعد لهم من أعداء الإسلام؟ أرجو كذلك من علماء السلفيين التواصل مع سلفىِّ تونس، فمصر بإسلامها الوسطى، يجب أن تقوم بدورها المرشد فى الخارج، دون أن ننسى شبرا وسيناء كذلك. * مصالح أمريكا الإستراتيجية فى المنطقة، مصر تستطيع أن تؤمِّن لها «المقبول» منها، على أن تعى أمريكا أن مصالحها لدى العرب تفوق يقيناً مصالحها لدى إسرائيل، ومن ثم فعليها أن تحجم بل تقيد إسرائيل وجرائمها، ولكن هذا لن يحدث إلا إذا قادت مصر العرب، نحو تصعيد سياسى مفتاحه خطاب موجه لأمريكا، وبصياغة جادة لمصالحنا التى لن نفرط فيها، ولمصالح أمريكا فى مقابلها، ذلك هو التصرف السياسى المقبول وسقفه الأعلى الممكن الآن، وتبقى النية والعزم كذلك، حماية لأهلنا بفلسطين وحقوقهم التى لن نفرط فيها، وإلا فالمنطقة فى خطر. مصر جيشها معتبر، ومع ذلك فتنويع مصادر التسلح، وبرنامج طموح لتصنيع السلاح، وبحوث وتحرى ل «الهاى تك» الشرقى فى هذا المجال، أمور ثلاثة حتمية، كما أن الاتجاه شرقاً اليوم، أيسر من الاتجاه إليه غداً، اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد. أما هذا المشوار فى بناء القوة، فالمشاركة العربية فيه حتمية، ويجب أن تعى الأنظمة العربية ذلك، وأن حصانتها ليست هناك. لا مخرج لنا بعد الله ومنظومة الأخلاق القويمة، إلا بالأسباب التى سخرها لنا سبحانه، ومصر فى هذه اللحظة وبهذه الحالة الكلية المشهودة، فى احتياج إلى أعظمها، فيقظة إلى الإدارة العلمية التى تبدأ بإدارة الفكر أولاً، لتأتى إدارة الحركة على هدىٍّ من الأولى. [email protected]