انتقدت الصحف الغربية العدوان الإسرائيلى على غزة، مشيرة إلى أن إسرائيل ستخسر كثيرًا من تصاعد العنف، وأن مصر تغيرت كثيرًا فهى لا تسير على درب مبارك الآن، وأنه لولا المشكلات الداخلية التى تحاصرها لاتخذ رئيسها المنتخب حديثاً الدكتور محمد مرسى قرارًا بإعلان الحرب، موضحة أنه فى كل الأحوال يعتبر السلام مع مصر مكسبًا للدولة اليهودية. وقالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية إن مصر والولاياتالمتحدة ستخسران الكثير فى حال تصاعد العنف أكثر، فأى منهما لا يستطيع تحمل تكلفة تمزق معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، أو تعطل الجهود المبذولة لكبح البرنامج النووى الإيرانى والإطاحة بالديكتاتور السورى بشار الأسد. وأشارت إلى أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما سارع فى التواصل مع الرئيس المصرى ورئيس الوزراء الإسرائيلى للوصول إلى اتفاق سريع لوقف إطلاق النار لإدراكه أن البديل المطروح سيكون من المروع حتى مجرد التفكير به. ويرى المحللون أن مرسى يسعى لتحقيق التوازن بين الشعور بالمسؤولية تجاه الناخبين المصريين والرغبة فى الحفاظ على الاستقرار على الحدود مع إسرائيل، ولكنه فى الوقت نفسه يتصارع مع التحدى لتمييز حكمه عن حكم سلفه المخلوع الذى كان ينظر إليه باعتباره حليف الولاياتالمتحدة وإسرائيل الأول فى المنطقة، ولكنهم أكدوا أنه فى حال تصاعد الضغط الشعبي، فإن مرسى قد يجد نفسه مضطراً لإعادة النظر فى اتفاقية السلام مع إسرائيل، وتقديم دعم – غير مباشر على الأقل- لغزة. واعتبرت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور أن مرسى حرص منذ توليه الرئاسة على الحفاظ على اتفاقية السلام مع إسرائيل وفرض رقابة صارمة على المعابر الحدودية، وأن العدوان الإسرائيلى على غزة هو أول اختبار حقيقى لكيفية إدارة مرسى علاقات بلاده مع إسرائيل، مشيرة إلى أن رده على العدوان على غزة سيحمل مؤشراً على مدى تأثر سياسته الخارجية بالمثل التى نشأ عليها كعضو فى جماعة الإخوان المسلمين، أو ما إذا كان سيتبع المسار الذى سلكه سلفه المخلوع حسنى مبارك. واعتبرت أن البيان الذى أصدرته جماعة الإخوان المسلمين والذى دعت فيه الدول العربية وفى بدايتها مصر لقطع علاقاتها مع إسرائيل، يضع مرسى - الذى تعهد بالحفاظ على معاهدة السلام مع إسرائيل - فى موقف صعب، فهو كان عضواً فى الجماعة التى طالما انتقدت الرئيس المخلوع لعدم اتخاذه مواقف قوية وحاسمة ضد إسرائيل، كما أن حركة حماس هى نفسها فصيل من جماعة الإخوان المسلمين وتتصل بها أيديولوجياً. واعتبرت صحيفة جلوبال بوست الأمريكية أن الأبرز فى العدوان الجارى هو تراجع وتيرة الخطابات الحماسية المعادية لإسرائيل من قبل قادة جماعة الإخوان المسلمين بعد صعودهم إلى السلطة عما كانت عليه فى عهد الرئيس المخلوع، فهم اليوم يتصارعون مع واقع السياسة الدولية والاقتصاد المصرى المتعثر. وأكد عدد من المحللين للصحيفة أنه حتى إذا لم توجد معاهدة سلام، فإن مرسى لم يكن ليتخذ قرارًا بدعم غزة من خلال العمل العسكري، والذى قد يتسبب فى اندلاع الحرب مع إسرائيل. وأشارت صحيفة الجارديان البريطانية إلى أن الرهان الإسرائيلى تسبب فى عدد من التوابع الدبلوماسية أبرزها انه وللمرة الأولى منذ بدء الحصار على غزة يزور فيها الرئيس الوزراء المصرى القطاع، معتبرة أن مرسى يملك كل الحق فى الغضب، فهو قام بكل ما يمكن القيام به لتجنب الدخول فى مواجهة مع إسرائيل فى بداية حكمه، فهو شنّ عملية عسكرية على العناصر المسلحة التى تهاجم إسرائيل من سيناء، وقام بإغلاق الأنفاق على الحدود. ولفتت إلى أن هناك حشودًا غاضبة معادية لإسرائيل تقف خلف مرسى فى الشارع العربى بقواه الإسلامية والعلمانية على حد سواء، مشيرة إلى أن الدبلوماسيين الإسرائيليين تذوقوا جزءاً بسيطاً من هذا الغضب عندما تم إنقاذهم من تلك الحشود فى قلب القاهرة. وأكد دبلوماسى غربى للصحيفة البريطانية أن الولاياتالمتحدة تركز على دفع مصر لإقناع حماس بالتراجع، وفى الوقت نفسه "التأكد من ألا يقدم المصريون أنفسهم على أى عمل متهور قد يتسبب فى أضرار خطيرة لاتفاق السلام". وأضاف أن "الأمريكيين يدركون أنه لا بد أن هناك حدًا معيناً للرئيس مرسى الذى يواجه ضغوطاً داخل بلده لاتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه إسرائيل"، ولكنهم يرغبون فى ضمان ألا يتسبب العدوان على غزة فى تهديد معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، مشيرًا إلى أن واشنطن تتعاون مع الجانب المصرى للوصول لاتفاق سلام ليس فقط لكبح جماح حركة حماس، ولكن لمنع المصريين أنفسهم من دفع الصراع إلى حافة الهاوية. بدوره أكد آرون ديفيد ميلر، مسؤول المفاوضات العربية الإسرائيلية فى وزارة الخارجية الأمريكية سابقاً، أنه على الرغم من موقف الإدارة الأمريكية المعلن بدعم إسرائيل فى الصراع مع غزة، إلا أنه يتوقع أن الرئيس أوباما ناشد الإسرائيليين وراء الكواليس بعدم التمادى فى هذا العدوان. أما صحيفة هاآرتس الإسرائيلية فدعت دوائر صنع القرار فى تل أبيب لتوخى الحذر حتى لا تتسبب الهجمات على غزة فى تدمير اتفاقيات السلام مع مصر والأردن والتى قالت إنها تساهم بشكل كبير فى الحفاظ على أمن إسرائيل. وقالت الصحيفة فى افتتاحيتها أن إسرائيل التى قد تكون اليوم "ثملة" بقدرة جيشها على قصف "البنية التحتية للإرهاب"، عليها أن تفكر أيضاً فى توابع العملية فهى قد تكسب بعض الاستفادة الأمنية إذا نجحت عمليتها العسكرية فى تصفية المزيد من قادة حماس وتدمير بضع مراكز قيادة الحركة وعدد من مخازن الصواريخ، ولكن ذلك سيكلفها أيضاً تدمير العلاقات مع مصر والأردن وتحويل اهتمام العالم من سوريا إلى غزة والقدس.