في جو ملبدّ بغيوم كثيرة تكتنف الوطن ومستقبل أبنائه، وتغيم معها الرؤى وتتداخل الأفكار، وخاصة بعد غياب شنودة عن المشهد المصري بكل ما فعله بمصر وبنسيج وحدتها الاجتماعية طوال أربعين عامًا من تسلطه على سدة الكنيسة القبطية. في هذا الجو وجدت صورة الأخت الفاضلة وفاء قسطنطين تلح على ذاكرتي المرهقة بفصول مأساتها، فكانت صورة تكتنفها الغيوم نفسها التي تكتنف سماء الوطن، فوجدت القلم يجري على الأوراق بأسئلة تشكل رسالة مفتوحة إلى وفاء، وحول هذه الأسئلة أسئلة أخرى إلى البابا تواضروس الفائز بهذا المنصب حديثًا، وهي أسئلة استكشافية تتلمس وتتشوف شيئًا من ملامح نهج الكنيسة القبطية في عهديها الجديدين: عهد الثورة المصرية، وعهد ما بعد شنودة، فكان من ذلك: أختنا النبيلة الفاضلة: هل ما زلت تحفظين سورتي الدخان والمطففين، هاتان السورتان اللتان حُببتا من القرآن الكريم إلى قلبك المؤمن النقي؛ وكنت دائمة ترديدنهما في خلواتك؟ وهل ما زلت على عهدك مع الله تحافظين على ميثاق الصلاة وكتابها الموقوت، وتستزيدين من النوافل آناء الليل وأطراف النهار؟... وهل ما زلت صوامة وتنتظرين رمضان إلى رمضان وستة الأيام البيض كبياض قلبك الورع ونقاء روحك الطهور؟ وهل ما زلت ترين محبسك براحًا فسيحًا بفعل ما ألقاه الله على بصرك وبصيرتك من نور حلاوة الإيمان، وترين محنة سجنك استشهادًا في سبيل الله؛ كما كنت دائمًا تقولين من أعماق نفسك المؤمنة؟ وماذا – أيتها الصابرة – يجول في نفسك إزاء ما نعلم أنك تتعرضين له من شدة وقسوة وغلظة في محبسك؟. وقد رأينا ولمسنا تباشيره؛ الأولى في حضور (أرميا) للتحقيق معك في النيابة العامة، ولا نعرف إلى أين وصلت حدود هذه القسوة وتلك الغلظة، ولكن بإمكان العقل والقلب معًا تصورهما من خلال ما نعرف أن شنودة قد زرعه في نفوسهم من حقد وضغينة لكل ما هو مسلم وإسلامي، طوال سنوات تسلطه على الكنيسة القبطية والأقباط في مصر. فالله نسأل لك أن يمدك بمدد من عنده تجدين به حلاوة الصبر برغم مرارة المحنة والمأساة! ويا صاحب النيافة: نحن نعلم مقدار ما كان بينك وبين شنودة من أواصر ومن ملازمة، ومن إفصاحك في أول حديث متلفز ولذلك فإن تخوفنا على الوطن ونسيج وحدته يستبد بنا حين نتصور أنك سائر على النهج ذاته الذي كان عليه شنودة، والذي غرس به بذور الفتنة، وتحتاج إلى سنوات غير قليلة وجهد غير قليل لاقتلاعها من أرض مصر الطيبة المتسامحة المتعايشة في سلام. لذلك فإن سؤالنا إليك هو: ماذا تراك فاعلًا إزاء الواجب الجسيم الذي يلقيه الضمير الوطني على عاقتك لاقتلاع أولى بذور هذه الفتنة التي غرسها شنودة؟ إن سؤالنا إليك يا نيافة البابا نحملّه ومضة ليتك تلمحها، وهي أنك في موقعك الراهن وفي صفتك الراهنة غيرك في صفتك الشخصية، فالواجب عليك هو مراعاة صالح الوطن جميعًا، خصوصًا أقباطه المتعايشين طوال تاريخهم في سلام مع مسلميه، وإن مبادرتك بإطلاق سراح وفاء قسطنطين سوف يكبرها فيك أبناؤك الأقباط أنفسهم قبل المسلمين.