منذ فترة قصيرة صرح محمود عباس بتصريح خطير، بأنه يعتبر أن أرض فلسطين تنحصر فى الضفة وغزة، كما أنه لا يود العودة إلى مسقط رأسه، هذا التصريح من مسئول مثله له تداعيات خطيرة على القضية الفلسطينية، ويدل على أنه تنازل عن أهم وأخطر ما فى القضية الفلسطينية، وأنه اختزل القضية اختزالاً كبيرًا بل نستطيع أن نقول إنه بهذا التصريح وصل إلى النهاية وأنه تنازل عن كل شىء ولم يبق معه شىء للتناول عنه، فقط تنازل عن أكثر من تسعة وتسعين بالمائة من فلسطين لبنى يهود، دون وجه حق ودون أى مقابل يذكر، وسوف يذكره التاريخ باللعن والمقت، ولا نغالى فى القول إذا قلنا إنه ألقى بنفسه والسلطة فى مزبلة التاريخ إلى يوم يبعثون، بل فضح نفسه والسلطة وأسقط ورقة التوت. التصريح يدل على أن السلطة تنازلت عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، ومن قبل تنازل عن القدس، وحصر فلسطين فى الضفة الغربية وغزة، وهذا لم يقل به أى فلسطينى ولا حتى من بنى يهود، ولم تقل به الأممالمتحدة أبدًا منذ بدء مشكلة فلسطين، بل إن الأممالمتحدة أحرص على فلسطين من السلطة ورجالاتها، بل إن أقصى ما يتمناه بنو يهود ويحلمون به ما صرح به عباس، وسوف نعرض هذا التصريح على القانون الدولى لكى نرى حكمه دون تحيز وبحيادية علمية أكاديمية لا دخل للعواطف فيها. هذا التصريح طبقًا للقانون الدولى عمل مادى لا يرتب عليه القانون الدولى أى أثر قانونى فهو والعدم سواء؛ لأنه منعدم طبقًا للقانون الدولى، لمخالفته القواعد العامة الآمرة فى القانون الدولى، وهذه المخالفة وهذا الانتهاك الخطير، لا يعترف به القانون الدولى ولا يجيز لأى أشخاص دولية مهما كانت أن تتفق عليه، لذلك لا يحق لعباس ولا السلطة قبول ما ورد فى التصريح، لأن الأشخاص الدولية - دولاً أو منظمات دولية- لا تملك ولا يحق لها الاتفاق أو قبول ما يخالف المبادئ العامة والقواعد الآمرة فى القانون الدولى، ويقع أى اتفاق أو قبول باطل بطلانًا مطلقًا أى منعدمًا ولا يعتبر تصرفًا قانونيًا، بل هو عمل مادى يقف عند حده ولا ينتج أى أثر قانونى على الإطلاق. ويرجع ذلك وتأسيسًا على أن هذا التصريح المنعدم قانونًا يخالف وينتهك صراحة المبادئ العامة والقواعد الآمرة فى القانون الدولى التالية: - مبدأ تحريم الاستيلاء على أراضى الغير بالقوة، ومفاده عدم الاعتراف بأى آثار قانونية تنتج عن احتلال دولة من الدول أو أى جزء منها، وهذا المبدأ ورد فى كل القرارات التى صدرت بشأن القضية الفلسطينية وخاصة من الأممالمتحدة سواء مجلس الأمن أو الجمعية العامة، ومن أشهرها القرار 242 والقرار 337، حيث أكدا أن القوة تحمى الحق ولا تخلقه. - مبدأ تحريم استخدام القوة فى العلاقات الدولية الوارد فى المادة (2/4) من ميثاق الأممالمتحدة، ومنصوص عليه فى كل مواثيق المنظمات الدولية الإقليمية. - ويخالف أيضًا حق الشعوب فى تقرير مصيرها، سواء السياسى أو الاقتصادى، وهذا الحق من المبادئ العامة فى القانون الدولى، ووارد فى كل مواثيق المنظمات الدولية العالمية والإقليمية، وخاصة فى المادتين الثانية والخامسة والخمسين من ميثاق الأممالمتحدة، وإعلانات ومواثيق واتفاقيات حقوق الإنسان العالمية والإقليمية. - ويخالف أيضًا قواعد عامة وآمرة فى القانون الدولى لحقوق الإنسان، حيث أكدت جميع مواثيق وإعلانات واتفاقيات حقوق الإنسان حق أى إنسان فى العودة إلى بلدته وعدم طرد أى إنسان من بيته، وأن هذه الحقوق أصيلة وثابتة ولصيقة بالإنسان لا يجوز التنازل عنها، وقد أشار الإعلان العالمى لحقوق الإنسان وغيره من الإعلانات والمواثيق والاتفاقيات على ذلك. فقد نصت المادة (13/2) من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان على (لكل شخص الحق فى مغادرة أى بلد بما فيه بلده والعودة إليه)، والمادة (30) منه نصت على (لا يمكن تفسير أى شىء فى هذا الإعلان على أنه يلمح إلى أى ولاية، مجموعة أو شخص أو أى حق للمشاركة فى أى نشاط أو القيام بأى عمل يهدف إلى المساس بأى من الحقوق والحريات المذكورة فى هذا النص). ويخالف المادة (12) من بروتوكول الحقوق المدنية والسياسية لعام 1966م، التى تنص على (عدم جواز الحرمان العشوائى لأى شخص من حق دخول بلده)، كما يخالف البروتوكول الرابع للمؤتمر الأوروبى لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية لعام 1963م، فى المادة الثالثة الفقرة الأولى التى تنص على (عدم جواز طرد أى شخص سواء بواسطة إجراء فردى أو جماعى من إقليم الولاية التى هو مواطن فيها)، والفقرة الثانية التى تنص على (عدم جواز حرمان أى شخص من حق إقليم الولاية التى هو مواطن فيها)، ويخالف الميثاق الأمريكى لحقوق الإنسان لعام 1970م الذى نص على (لا يمكن طرد أى شخص من إقليم الولاية التى هو مواطن فيها أو حرمانه من حق الدخول إليها)، والميثاق الإفريقى لحقوق الإنسان والأشخاص لعام 1982م الذى نص على (يحق لكل فرد العودة إلى بلده). - ويخالف هذا التصريح المنعدم كل قواعد ومبادئ وأحكام القانون الدولى الإنسانى التى تضفى حماية للمدنيين أثناء النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، وأهمها اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م، والبروتوكولين الإضافيين لعام1977م، وخاصة المادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949م، ونصت (تحظر عمليات النقل القسرى الفردية أو الجماعية، وكذلك عمليات إبعاد الأشخاص المشمولين بالحماية من الأراضى المحتلة إلى إقليم دولة الاحتلال أو إلى إقليم أى بلد آخر، محتل أو غير محتل، بصرف النظر عن بواعثها). التصريح يخالف مواثيق وقرارات المنظمات الدولية العالمية والإقليمية وعلى رأسها الأممالمتحدة، وأصدرت الأخيرة عدة قرارات من الجمعية العامة مثل القرار رقم (194/1948م)، نص على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم، والقرار (302/ 1949م) ومجلس الأمن منها القرار(242/1967م)، والقرار رقم (237/1967م) وحق العودة لبيته حق فردى لكل فلسطينى، وقد أخذ بعدًا اجتماعيًا لتعلقه بالشعب الفلسطينى، وفلسطين من النهر إلى البحر.