اعتبر محللون سياسيون وفقهاء قانونيون أن الحكم الذي أصدرته المحكمة الإدارية العليا في ساعة متأخرة من مساء أمس ، بعد مداولات لهيئة المحكمة استمرت عدة ساعات ، أنقذ انتخابات الرئاسة التي تجري اليوم بالفعل من مأزق " فقدان الشرعية " القانونية ، كما أنقذ كيان الدولة بكامله من أزمة خطيرة كانت تهدد بتقويض بنيانها، لكنهم شددوا على أن الحكم استخدم " الرأفة " ، وحاول تجنب إدخال البلاد في مأزق قانوني ودستوري بالغ الخطورة ، لكونه يتعلق بمنصب الرئاسة بما له من صلاحيات ومسئوليات جسيمة ، مشيرين إلى أن المحكمة وجهت صفعة عنيفة للنظام من خلال مطالبتها ، في بادرة قضائية غير مسبوقة ، وفيما يشبه التوبيخ ، بإعادة النظر في نص المادة 76 من الدستور ، كي يتوافق مع المبادئ الدستورية المستقرة ، والتي ترفض تحصين أي قرار إداري من مراقبة القضاء . وقضت المحكمة الإدارية العليا ، خلال جلستها التي عقدت برئاسة المستشار عبد الرحمن عزوز رئيس مجلس الدولة ، واستمرت حتى ساعة متأخرة من مساء أمس ، بإلغاء الحكم الذي أصدرته محكمة القضاء الإداري ، وقضى ببطلان القرار الذي أصدرته لجنة الانتخابات الرئاسية بمنع مندوبي منظمات المجتمع المدني في دخول لجان الاقتراع . واعتبرت المحكمة أن محكمة القضاء الإداري غير مختصة بنظر الطعن على قرار لجنة الانتخابات الرئاسية في شأن مراقبة الانتخابات. وأضافت أنها "وهي تتصدى للفصل في هذا الطعن تجد نفسها أمام نص دستوري صريح لا يحتمل أي تفسير أو اجتهاد وهو نص المادة 76 (الذي حصن قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية من الطعن عليها بأي طريقة من طرق الطعن)." لكن المحكمة في بادرة غير مسبوقة "أهابت بالمشرع أن يعيد النظر بجدية في نص المادة 76 بحيث ترجع إلى النص العام والمبادئ المستقرة في شان عدم تحصين أي قرار إداري من رقابة القضاء العادي". وألغت المحكمة الإدارية العليا ، خلال نفس الجلسة ، حكما آخر بإلغاء ترشيح وحيد الأقصري وهو أحد المرشحين العشرة ، قائلة إن عيبا إجرائيا شاب صحيفة الدعوى التي صدر حكم محكمة القضاء الإداري على أساسها. وحول دلالة هذين الحكمين ، شدد محللون سياسيون على أن النظام ربما يكون قد تجاوز بالفعل أزمة شرعية الانتخابات التي طاردته خلال الأيام الثلاثة الأخيرة ، لكن الدلالة السياسية لهذه المعركة القضائية أفقدت النظام الزخم السياسي الذي كان يريد إضفائه على العملية الانتخابية ، من أجل إخراجها للعالم على أنها تأسيس ل " شرعية جديدة " يختم بها الرئيس مبارك حياته السياسية بعد خمس فترات قضاها في الحكم ، وتكون أيضا خير بداية ل " مرحلة التوريث " ، التي يقفز فيها جمال مبارك إلى سدة الحكم ، سواء أكان هذا بعد ست سنوات أو أقل من ذلك ، في ضوء ما يتردد عن أن الرئيس مبارك لا يعتزم إكمال فترته الرئاسية الخامسة . وأوضح المحللون أن هذه المعركة كشفت كذلك عن فشل النظام في تسويق ما يسمى ب " الفكر الجديد " داخل الحزب الوطني ، والذي يقوده جمال مبارك ولجنة السياسات في الحزب ، مشيرين إلى أن هذا الجناح ، الذي أخذ على عاتقه إدارة الحملة الانتخابية للرئيس مبارك وما سبقه من سلسلة تعديلات دستورية وقانونية مهدت للتحول من نظام الاستفتاء إلى الانتخاب الحر ، فشل بشكل واضح في إدارة المعركة الانتخابية لمبارك ، وكاد يتسبب في كارثة قانونية أوقعت النظام بأكمله في أزمة مشروعية . وشدد المحللون على أن النظام أضطر خلال معركته القضائية للعودة إلى أساليبه القديمة ، وألقى بكامل ثقله وما لديه من وسائل ترهيب وترغيب من أجل الخروج من هذا المأزق . من جانبه ، أكد الدكتور عبد الحليم قنديل المتحدث الرسمي لحركة كفاية أن المعركة القانونية حول شرعية الانتخابات لم تنته ، وستتواصل لأن هناك أحكاما قضائية ستصدر مستقبلا وعلى رأسها دعوى كفاية التي تطعن في شرعية الاستفتاء على تعديل المادة 76 من الدستور والتي أجلت إلى 25 من شهر نوفمبر القادم . ووصف المتحدث لحركة كفاية هذه الأزمة القانونية بأنها بمثابة تفكيك للأساس القانوني للوضع السياسي القائم ، مشددا على عدم وجود ما يسمى بالحرس القديم والحرس الجديد داخل النظام والحزب الوطني ، ولكن وجود مماليك قدامى حول مبارك الأب ومماليك جدد حول مبارك الابن بحسب تعبيره من ناحية أخرى ، يبدو أن المعركة القضائية حول انتخابات الرئاسة لم تحسم بشكل نهائي بعد ، حيث قضت محكمة القضاء الإداري بإلغاء قرار لجنة الانتخابات الرئاسية باستبعاد قضاة من الإشراف على الانتخابات . وقالت المحكمة التي رأسها المستشار فاروق عبد القادر أن اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية "تجاوزت حدود اختصاصاتها المقررة لها وفقا للقانون والدستور حيث يقتصر اختصاصها على تشكيل اللجان وتحديدها وتوزيع القضاة عليها دون ندبهم." وأكدت المحكمة أن لجنة الانتخابات الرئاسية غير مختصة بندب أو استبعاد القضاة من الإشراف على الانتخابات "خاصة أن الدستور وقانون الانتخابات الرئاسية لم يعط اللجنة الاختصاص بهذا الأمر وأن ندب القضاة من اختصاص الهيئات العليا القضائية التابعين لها." وصدر الحكم بناء على دعوى رفعها عشرة من قضاة مجلس الدولة المختص بالقضايا الإدارية وانضم إليهم عدد آخر من القضاة المستبعدين من المجلس والذين ذكرت مصادر قضائية أن عددهم 271 قاضيا.