"كفاية" فى طريقها لتصبح أول حزب سياسى جماهيرى مصرى منذ ثورة يوليو 1952، والطريق الذى مرت به حركة "كفاية" حتى الآن هو الطريق الطبيعى لميلاد حزب سياسى، فالحركة انطلقت تعبيراً عن إرادة جماهيرية تقول "لا للتمديد، لا للتوريث" واكتسبت اسمها من الشعار الذى أطلقته "كفاية 24 سنة فى الحكم" وهو شعار امتد من التعبير عن رفض ولاية جديدة للرئيس إلى التعبير عن رفض كل مساوئ النظام ومعايبه، وأصبحت "كفاية" تتردد فى المظاهرات وعلى اللافتات تعبيراً عن رفض: البطالة والفساد والتطبيع والاعتقالات والانتهاكات التى يمارسها النظام ضد حرية المواطنين وأمنهم. وعلى مدى أكثر من عام، راحت الحركة تكتسب أنصاراً كل يوم من مختلف القوى والتيارات السياسية، أنصاراً اتفقوا على لائحة تمثل المطالب المشتركة للقوى الوطنية فى مواجهة استبداد النظام وفساده، وفى خضم العمل المشترك لتحقيق هذه المطالب أعادت الحركة صياغة أجندة العمل الوطنى، من حيث ترتيب الأولويات والاتفاق على الوسائل، ولغة الخطاب. وفى نقلة نوعية مهمة، أعلنت حركة "كفاية" أنها ستشارك فى الانتخابات التشريعية القادمة بمرشحين يغطون كل الدوائر الانتخابية فى مصر، أى أنها لن تكتفى بتنظيم المظاهرات والحركات الاحتجاجية وإصدار البيانات ورفع الدعاوى القضائية. لن تكتفى بالعمل الجماهيرى، بل ستقتحم مجال العمل السياسى عبر مشاركة أعضائها وممثليها فى الانتخابات التشريعية على نحو يعجز عنه أى حزب سياسى آخر عدا الحزب الحاكم ما يؤكد أن الحركة أصبح لها وجود حقيقى فى كل أقاليم مصر، وجود يعتمد على مشاركة فعالة فى عمل جماهيرى حقيقى، وأعتقد أن مشاركة "كفاية" فى الانتخابات التشريعية القادمة يمثل تحدياً شديد الصعوبة للحزب الحاكم، وأننا سنشهد صراعاً حقيقياً بين سلطة تتشبث بمواقعها وحزب شعبى يصر على إزاحتها، ويستطيع أن يزيحها. هل قلت "حزب"؟ نعم: حزب يكرسه قرار الانتقال إلى العمل السياسى بعد أن قطع طريقاً يشبه الطرق التى قطعتها الأحزاب الحقيقية، مثلاً حزب "الوفد" فيما قبل الثورة نشأ من رحم حركة جماهيرية ضمت تيارات فكرية ومذهبية مختلفة واتفقت على مجموعة محددة من المطالب الشعبية تكاتف الجميع لتحقيقها، ونمت الحركة لتتحول إلى حزب انتقل بها من العمل الثورى الجماهيرى إلى العمل السياسى، وأيضاً الأحزاب التى أنشأها "أربكان" فى تركيا، انطلقت كلها من حركة النواب المستقلين التى قادها "أربكان" فى الستينيات تعبيراً عن مطالب رجل الشارع فى مواجهة "الأتاتوركية"، وقد نمت الحركة لتصبح حزباً وأحزاباً استطاع آخرها الفوز بالأغلبية فى الانتخابات التشريعية وبالتالى قام بتشكيل الحكومة. الطريق نفسه قطعته "كفاية" وأعتقد أن مشاركتها فى الانتخابات التشريعية مجرد مقدمة لمشاركات أخرى أوسع وأهم، وأن على "الحركة" وهى تتحول إلى "حزب" أن تفكر فى اسم لا يبعد عن تراثها ويمكنه أن يواكب تطورها المرتقب، فليس من الملائم لحزب سياسى أن يكون اسمه حزب "كفاية"!