بعد انضمام مقاتلين من الطائفة السنية العراقية منذ شهور إلى صفوف الجيش السوري الحر للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، انضم الآن مقاتلون عراقيون شيعة إلى تلك المعركة، ولكن هذه المرة إلى جانب حكومة الأسد، وهو ما قد يحول بذور الفتنة الطائفية العراقية إلى حرب أهلية مريرة تكون قائمة على أساس التناحر الديني، على حد وصف تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز". ويسافر بعض الشيعة العراقيين إلى طهران، ثم تقوم الحكومة الإيرانية التي تعد الحليف الرئيسي لسوريا في المنطقة، بنقلهم إلى دمشق. في حين يلجأ البعض الآخر لنقل الأسلحة والمعدات والمقاتلين بواسطة حافلات تقلهم من مدينة النجف العراقية إلى سوريا بحجة زيارة أحد أهم الأضرحة الشيعية في دمشق، والذي يتم حمايته منذ شهور من قبل عراقيين مسلحين. وفي مقابلة عبر الهاتف، قال شاب عراقي يبلغ من العمر 25 عاما ويدعى أحمد الحساني: "انضم إلينا عشرات العراقيين، ويزداد عدد المقاتلين التابعين لفرقتنا يوما بعد يوم". وأشار الحساني إلى أنه قد وصل إلى سوريا منذ شهرين عبر طهران. وينضم المقاتلون العراقيون الشيعة إلى قوات تضم مقاتلين من لبنان وإيران، وهو ما جعل سوريا أقرب ما تكون إلى ساحة كبيرة لحرب طائفية إقليمية. وقد توترت الأوضاع في لبنان، الذي يضم 100 ألف لاجئ سوري، خلال الشهر الجاري عقب اغتيال رئيس الاستخبارات السني وسام الحسن في انفجار بسيارة مفخخة، وألقى الكثير من اللبنانيين باللائمة على الحكومة السورية وحلفائها. وعلى الجانب الآخر، تكافح الأردن، التي تؤوي أكثر من 180 ألف لاجئ سوري، من أجل احتواء أحداث العنف الدائرة على حدودها، والتي أودت بحياة جندي أردني في تبادل لإطلاق النار مع متطرفين الأسبوع الماضي، كما تبادلت تركيا، التي تضم أكثر من 100 ألف لاجئ سوري، قذائف المدفعية مع القوات السورية عقب مقتل خمسة مدنيين أتراك جراء قصف سوري بالقرب من الحدود المشتركة بين البلدين في وقت سابق من الشهر الجاري. والآن، بات العراق، الذي ما زال يعاني من المذابح الطائفية، متورطا بصورة متزايدة في الصراع السوري. وتلعب إيران، ذات الأغلبية الشيعية مثلها في ذلك مثل العراق، دورا حاسما في تعبئة العراقيين ونقلهم إلى الأراضي السورية. ووفقا لتصريحات قادة شيعة تم إجراء مقابلات شخصية معهم هنا، يحصل المتطوعون العراقيون على أسلحة وإمدادات من الحكومتين السورية والإيرانية، كما تقوم إيران بتنظيم رحلات إلى العراقيين الذين يرغبون في القتال إلى جانب النظام السوري. وعلاوة على ذلك، تضغط إيران على العراقيين حتى يقوموا بتنظيم لجان تكون مهمتها تجنيد مقاتلين شباب، وقد تم تشكيل هذه اللجان بالفعل في الآونة الأخيرة في معقل الشيعة بجنوب العراق وفي محافظة ديالى شمال العاصمة العراقية بغداد. ويرى الكثير من العراقيين الشيعة أن الحرب السورية – التي تثور فيها الأغلبية السنية على الحكومة التي يتحكم بها العلويون (وهم طائفة من الشيعة) – عبارة عن معركة من أجل مستقبل الشيعة. وقد برز هذا الصراع الطائفي من خلال تدفق المتطرفين السنة المتحالفين مع تنظيم القاعدة والذين انضموا للقتال إلى جانب المعارضة ضد النظام السوري، تماما كما فعلوا خلال العقد الماضي عندما كانوا يقاتلون ضد الحكومة العراقية ذات الأغلبية الشيعية. وقال المحلل السياسي والأستاذ بكلية العلوم السياسية بجامعة بغداد إحسان الشمري: "أصبحت سوريا مفتوحة الآن أمام كافة المقاتلين، ويلعب تنظيم القاعدة على وتر الطائفية، وهو ما سيثير ردود فعل الشيعة، كما هو الوضع في العراق". وأضاف الشمري: "يكمن خوفي الأكبر حيال الأزمة السورية في تداعياتها المحتملة على العراق الذي لا يزال يعاني من العنف الطائفي". وقال علي حاتم، وهو شاب عراقي يخطط للسفر إلى طهران ومنها إلى دمشق، إنه يرى أن الدعوة للقتال إلى جانب الرئيس الأسد هي جزء من "واجبه الديني". وقال أبو محمد، وهو مسؤول في محافظة بابل بالتيار الصدري السياسي الذي يتبع الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر، إنه تلقى دعوة في الآونة الأخيرة من قيادة التيار الصدري لكي يحضر اجتماعا في مدينة النجف لمناقشة الأمور المتعلقة بزيارة ضريح السيدة زينب في دمشق. وقال أبو محمد: "نعرف أن هذا ليس هو الهدف الحقيقي من الاجتماع لأن الوضع غير ملائم لمثل هذه الزيارة. وعندما ذهبنا إلى النجف، قيل لنا إن هذه دعوة للقتال في سوريا ضد السلفيين". وقال مسؤول بارز في التيار الصدري وعضو سابق في البرلمان العراقي، والذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن الحافلات القادمة من النجف، والتي يقال: إنها تحمل حجاجا من الشيعة، تحمل أسلحة ومقاتلين إلى دمشق. وربما تعتمد إيران، التي تتهم بإرسال أسلحة ومقاتلين إلى سوريا، على نفس الحيلة. فعقب قيام الثوار السوريين باعتقال 48 إيرانيا في دمشق في شهر أغسطس (آب) الماضي، قالت الحكومة الإيرانية إنهم من الحجاج الشيعة وأعربت عن غضبها جراء اختطافهم من قبل الثوار السوريين. ويقول مسؤولو استخبارات أميركيون إن بعض هؤلاء الحجاج هم أعضاء في الحرس الثوري الإيراني. ومع ذلك، لا يميل المحاربون الدينيون إلى هذه التفرقة طوال الوقت، ففي محافظة ديالى، التي لا تزال مركزا خصبا للتمرد السني في العراق، يقول الشيعة إنهم يبحثون عن متطوعين من أجل تشكيل "تنظيم قتالي" من أجل الدفاع عن ضريح السيدة زينب ضد "من يتبنى الآيديولوجية السلفية المتشددة والذين يتم دعمهم من قبل دول الخليج"، على حد قول أبو علي الموسوي، وهو رئيس اللجنة المسؤولة عن تجنيد الشباب لهذا الغرض، والذي أشار إلى أن 70 رجلا من محافظة ديالى قد سافروا للتوا للقتال إلى جانب النظام السوري. وقال أبو سجاد، والذي انتقل إلى دمشق عام 2008 ويقاتل الآن إلى جانب الحكومة السورية منذ اندلاع الثورة، إنه وغيره من المقاتلين العراقيين يقاتلون في حقيقة الأمر من أجل حماية ضريح السيدة زينب. وأضاف أبو سجاد، وهو مقاتل سابق في جيش المهدي، إنه كان يحصل على الأسلحة والإمدادات من الحكومة السورية. ومع احتدام حدة القتال، أصبح يتم قتل واختطاف العراقيين، وهو ما يذكره بالوضع الذي تركه في العراق، ولذا عاد مرة أخرى إلى مسقط رأسه بمدينة البصرة. ويقول أبو سجاد: "يمكنني القول بأن الأمور ستزداد توترا في سوريا. إنها حرب طائفية، وربما تكون أسوأ من الحرب التي كانت هنا بين الميليشيات والأحزاب السياسية، لأن الصراع السوري يشمل الجميع، ويمكنك بسهولة أن تشعر بحالة الكره الموجودة بين السنة والعلويين، حيث تقوم كل طائفة بكل ما في وسعها للتخلص من الطائفة الأخرى". وفي بداية الأمر، لم يكن الشيعة العراقيون مع أي من الجانبين، علاوة على أن الكثير من الشيعة يحتقرون الرئيس الأسد بسبب انتمائه لحزب البعث الذي كان ينتمي إليه الرئيس العراقي السابق صدام حسين، ودعمه للمقاتلين السنة خلال الحرب العراقية، ولكن بعدما تحولت الثورة السورية إلى صراع مسلح ينضم إليه المقاتلون السنة، قرر الكثير من الشيعة الانضمام إلى القتال إلى جانب النظام السوري من منطلق الدفاع عن وجودهم. وغالبا ما يصف المتدينون الشيعة في العراق الصراع السوري بأنه بداية تحقيق النبوءة الشيعية التي تنذر بنهاية العالم من خلال التنبؤ بظهور جيش تحت قيادة رجل يشبه الشيطان اسمه السفياني في سوريا ثم يقوم بقهر الشيعة في العراق. وكان السبب الرئيسي في تصاعد وتيرة الحرب الأهلية الطائفية في العراق هو تفجير أحد أهم الأضرحة الشيعية في مدينة سامراء العراقية عام 2006. ويرى الكثير من العراقيين أن الأحداث الجارية في سوريا ما هي إلا صورة من الأحداث الدموية التي شهدها العراق، ولكن ستكون تبعاتها أخطر. وقال حسان الربيعي، وهو رجل دين شيعي من بعقوبة عاصمة محافظة ديالى: "تفجير ضريح السيدة زينب في سوريا سوف يعني بداية حرب أهلية طائفية".