في واحدة من أعنف دورات الانتخاب التي شهدتها نقابة الصحفيين المصريين ، أسفرت الانتخابات على منصب نقيب الصحفيين التي جرت أمس عن جولة إعادة في التاسع والعشرين من الشهر الحالي بين النقيب الحالي جلال عارف ، المدعوم من التيار الناصري ، وإبراهيم حجازي ، الذي ينظر إليه باعتباره مرشح الحكومة في الانتخابات . وجرت الانتخابات ، التي تنافس فيها 11 مرشحا ، وسط إقبال شديد من الصحفيين ، حيث شارك أكثر من ثلاثة آلاف صحفي من مختلف المؤسسات القومية والحزبية والمستقلة ، من جملة 4541 صحفيا لهم حق التصويت وبلغ عدد الأصوات الصحيحة 3045 صوتا مقابل 28 صوتا باطلا. وقد حصل النقيب الحالي جلال عارف على 1194 صوتا بينما حصل إبراهيم حجازي على 940 صوتا يليهما مصطفى بكرى ، رئيس تحرير صحيفة الأسبوع المستقلة الذي حصل على 601 صوتا ثم الدكتور أسامة الغزالي حرب ، رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية ، بعدد 233 صوتا يليه أسامه غيث بعدد 77 صوتا بينما حصل محمد نجيب على صوت واحد ولم يحصل احمد جبيلى على أي صوت. وتتفق هذه النتائج مع توقعات المراقبين ، وإن كان البعض قد راهن على نجاح جلال عارف في حسم الانتخابات لصالحه من الجولة الأولى ، لكن أسهم إبراهيم حجازي ارتفعت في اليومين الأخيرين إثر نجاحه في الحصول على وعود حكومية بخدمات جديدة لصالح الصحفيين ، وقد ألقى أنصار جلال عارف باللائمة في عدم حسمه النتيجة من الجولة الأولى على ترشح مصطفى بكري رئيس تحرير صحيفة الأسبوع المستقلة الأمر الذي اعتبروه أدى إلى تفتيت الكتلة الناصرية في النقابة ، ولوحظ أن كلا المعسكرين ، معسكر حجازي ومعسكر عارف أبدى تفاؤله بجولة الإعادة وأكد كل طرف على أنه سوف يحسم المعركة في الإعادة لصالحه ، ومن جانبه ، رفض مصطفى بكري الحديث مع وسائل الإعلام المختلفة وحتى قناة الجزيرة التي كانت تبدي دعمها له وأعربت في تقرير لها قبل الانتخابات عن التفاؤل بفوز بكري ، في حين انسحب أسامة غيث وأسامة الغزالي حرب عقب سماع الأرقام النهائية . ومن طرائف الانتخابات عدم حصول ثلاثة مرشحين هم يسرية حسين وأحمد الجبيلي و" فايز زايد على" على أي صوت حتى أصواتهم هم أنفسهم . وكان من أبرز ملامح هذه الانتخابات دخولها جولة إعادة وهي أمر نادر الحدوث على منصب النقيب ، كما أن خسارة مصطفى بكري تعتبر قاسية في ضوء الجهد الكبير الذي بذله والإشارات العديدة التي صدرت عن معسكره بضمان اكتساحه معتمدا على شباب الصحفيين والخدمات العديدة التي تعهد بها للصحفيين في حال فوزه ، ولكن يبدو أن الحملة العنيفة التي تعرض لها في البيانات وخاصة على شبكة الإنترنت وما حوته من بيانات حساسة قد أفقدته الكثير من التعاطف ، أيضا كشفت الانتخابات عن محدودية تأثير القوة التصويتية للإخوان المسلمين ، والتي تقدر بما بين مائة وخمسين إلى مائتي صوت ، والذين رموا بمعظم الثقل خلف الدكتور أسامة الغزالي حرب إلا أنه لم يفز بأكثر من 233 صوتا ، في حين تبعثرت أصوات التيار الإسلامي المستقل بين إبراهيم حجازي وجلال عارف ، أيضا مما كشفته الانتخابات الانقسام الشديد في الكتلة التصويتية لمؤسسة الأهرام ، وهي الأكبر بين المؤسسات الصحفية جميعا ، ولوحظ أن قطاعا كبيرا منها منح صوته لجلال عارف ، بينما تعاطفت قلة قليلة مع أسامة غيث والغزالي حرب ، وهو الأمر الذي فسره بعض المراقبين بأنه حالة تمرد من قبل صحفيي الأهرام على القبضة الحديدية التي كان يفرضها إبراهيم نافع على صحفيي المؤسسة في الانتخابات السابقة ، من جانبه ، رأي محمد حماد ، مدير تحرير صحيفة "العربي" الناصرية ، أن إجراء جولة إعادة كان متوقعا في ظل وجود أكثر من مرشح ، يمثلون أكثر من تيار ، فضلا عن أن وجود ثلاثة مرشحين من الأهرام ، للمرة الأولى ، أدى إلى تفتيت الأصوات داخل المؤسسة . ولفت حماد إلى أن انتخابات النقيب هذا العام حملت أكثر من مؤشر جديد ، أولها تعدد المرشحين الأقوياء ، و تعدد الآراء داخل الكتل التصويتية المهمة مثل الإخوان والناصريين ، وأخيرا تعدد مرشحي الأهرام . وأشار حماد إلى أنه شخصيا ، يعتبر أن مصطفى بكري حصل على أصوات أكثر مما يستحق ، لافتا إلى أن نزول بكري استهدف بالأساس تفتيت كتلة الأصوات الخاصة بعارف على حد قوله ، باعتبار أن الاثنين ينتميان للتيار الناصري ، ورجح حماد أن تكون اختلافات المصالح بين بعض كبار صحفيي كتلة الإخوان قد أثر على تفتت أصواتهم ، حيث ارتبط كل منهم بمصالح متباينة مع بعض المرشحين وتوقع حماد أن يبقى الانقسام داخل كتلة الإخوان خلال جولة الإعادة ، وإن كانت كتلة الناصريين ستعود للتوحد خلف عارف ، أما حجازي فسوف يحظى بدعم تيار الخدمات ، إضافة لقطاع كبير من صحفيي الأهرام . من جهته ، اتفق أحمد هريدي ، الصحفي الناشط في العمل النقابي ، مع وجهة النظر السابقة ، معتبرا أن حسم معركة الانتخابات من الجولة الأولى كان مستبعدا ، في ظل انقسام كتلة الناصريين بين بكري وعارف ، وتفتت أصوات كتلة الأهرام ، التي تعد الأضخم في النقابة ، بين الثلاثي حجازي وحرب وغيث . وأوضح هريدي أن عارف نجح في تحقيق اختراقات مهمة في الأهرام ، في ضوء أن حجازي ، أقوى مرشحي الأهرام ،و يعد من المحسوبين على مجموعة إبراهيم نافع ، التي تتعرض منذ فترة لاتهامات واسعة بارتكاب تجاوزات . ولفت هريدي إلى أن حجم الأصوات التي حصل عليها بكري وخروجه من الجولة الأولى لم يكن مفاجئا ، حيث إنه تعرض لحرب منشورات شرسة ، خاصة على الانترنت ، وكان لافتا أن بكري رد على جانب من الاتهامات التي تضمنتها هذه المنشورات ، لكنه لم يرد على الجانب الأكبر ، وهو ما أثار بلبلة في صفوف أنصاره . ولفت إلى أن معظم الأصوات التي حصل عليها بكري يرجح أنها لشباب الصحفيين ، إذ كان قدامى الصحفيين أكثر تحفظا تجاه التصويت لبكري . أوضح هريدي أن حلول أسامة الغزالي حرب في المرتبة الرابعة ، بنحو نصف الأصوات التي حصل عليها بكري ، الذي حل ثالثا ، يبدو منطقيا ، مرجعا ذلك لعضوية حرب للجنة السياسات بالحزب الوطني ، إضافة إلى نشاطه السابق في مجال التطبيع مع إسرائيل . وأكد هريدي أن أصوات كتلة الإخوان لم تذهب لمرشح بعينه ، لكن يعتقد أن أصوات الجماعة انقسمت ما بين عارف وحرب . وفيما يتعلق بأصوات الخاسرين ، التي تقترب من ألف صوت وسيكون لها دورا هاما في حسم جولة الإعادة لصالح أحد المرشحين ، لفت هريدي إلى أن المؤيدين للغزالي حرب أكدوا أنه دعاهم للتصويت في جولة الإعادة لصالح عارف ، كما يتوقع أن تذهب نسبة كبيرة من الأصوات التي حصل عليها بكري أيضا إلى عارف ، وإن كان بكري لم يكشف حتى الآن عن موقفه ، حيث غادر النقابة غاضبا فور إعلان النتيجة ، دون حتى توجيه الشكر لمؤيديه ، وأضاف هريدي إلى أن ضعف الإقبال المتوقع في جولة الإعادة يجعل الأبواب مفتوحة على كل الاحتمالات .