تنحاز النخبة العلمانية دوماً إلى فصيل وطني (الأقباط)، وتتحامل على حساب الفصيل الآخر الذين يتحاملون عليه ويشيطنون أمره، وليس من أجل عيون الطرف الأول والدفاع عنه، ولكنها حيلة ماكرة اخترعها المستعمر لتنفيذ سياسة "فرق تسد"، وحتى ينشغل المجتمع بما يزرعونه من نزاعات وما يشيعونه من حالة استقطاب حاد في المجتمع، تمهيدًا لتنفيذ مخططاتهم المستوردة التي يقاتلون من أجلها وينفقون الأموال الطائلة في تنفيذها، وتعزف على هذه النغمة طوال الوقت بمناسبة ودون مناسبة، وهذا يفكرنا دومًا بالاستعمار الذي ظل يطنطن طوال الوقت بأنه ما جاء إلا ليحمي الأقلية من بطش الأغلبية المزعوم، وظل يحتضن ضعاف النفوس من الأقباط ويتعهدها بالرعاية وجعلت تمدح الاستعمار وتهاجم القوى الوطنية التي كانت تكافح الاستعمار، وترفض الرضوخ له مثل: مصطفى كامل، ومحمد فريد، وعبدالعزيز جاويش، وعندما انتهى دور هؤلاء ونفَذَت صلاحيتهم تجاه الاستعمار رجعوا ثانية إلى النسيج وشاركوا في وقائع ثورة 1919. ومنذ أن وصل التيار الإسلاميّ إلى سدة الحكم ونجاحه في الانتخابات البرلمانية نجد النخبة الليبرالية تتحيز إلى الأقباط وتبالغ في مطالبهم، وتشيع الأكاذيب عن المسلمين وتصورهم بأقبح الصور بأنهم شياطين وذلك فى كتاباتهم وأعمالهم، وفى السنوات الأخيرة أعادوا هؤلاء طباعة كتاب "أقباط ومسلمون" لمؤلفه جاك تاجر(1918- 1952) وكان يعمل أمينًا لمكتبة قصر عابدين، وهو من طائفة الروم الكاثوليك من أصل سوري، وقد ظهر الكتاب منذ ستين عامًا، واستقبله المخلصون بالحنق والغضب الشديد نتجة المفتريات والأكاذيب التي حشي بها الكتاب، وكنا ننتظر من أساتذة التاريخ الإسلامى فى مصر وهم كُثر أن يردوا على هذا الكتاب لأنهم يمتلكون أدوات البحث العلمي ووثائقه ولكنهم صمتوا فهمهم الأكبر الجري وراء أبحاث الترقيات والمؤتمرات، أما إظهار الحقيقة والدفاع عن الإسلام والتاريخ الإسلامى فليس مما في الحسبان، فوفق الله رجلاً عرف عنه إخلاصه لدينه ووطنه منذ بواكير حياته ووقف حياته كلها للدفاع عن الإسلام وتاريخه وهموم المسلمين، ظهر ذلك جلياً في آثاره التي تركها، هو الشيخ محمد الغزالي الذى رد على هذا الكتاب في مصنفه الحجة "التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام"، وانتهت المعركة ووأد الكتاب ولم تظهر له طبعة ثانية، حتى عمل القائمون على الثقافة في بلادنا على إعادة نشره عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، زمن رئاسة الأستاذ الدكتور محمد صابر عرب لها (الأزهري أستاذ التاريخ !!!)، نشر الكتاب دون نشر رد الغزالي عليه ودون تقييم أفكاره المسمومة التي تدعو إلى الفتنة والفرقة والتعصب والاستقطاب الحاد، نشر الكتاب وسط إشادة البعض له فالدكتور محمد عفيفي أستاذ التاريخ الحديث قدم للكتاب فقال: إن الكتاب "من الكتب التاريخية المهمة في هذا الشأن، مع التذكير بأن للرجل كتابات تاريخية أخرى في موضوعات التعليم وحركة الترجمة في مصر، والكتاب يتعامل مع قضايا شائكة بالغة التعقيد، تتعلق بتاريخ العلاقات المسيحية الإسلامية، كما يعالج المؤلف فترة تمتد لعدة قرون، توالى على مصر فيها حكام وأحداث مختلفة، وطوال هذه الفترة لم تكن هناك سياسات واحدة ثابتة أو مواقف متجمدة، وإنما تغيرات سريعة متلاحقة". ولم تجد هيئة قصور الثقافة من كتب التراث وهي لا تحصى غير كتاب "تاريخ الآباء البطاركة" لساويرس ابن المقفع، المليء بالافتراءات والكذب، حتى تطبعه طبعة شعبية في عشرة مجلدات، الذي زعم من خلاله أن المأمون جاء مصر وقتل نصف شعبها وهذا هو السر في تناقص عدد الأقباط في مصر، وضخم وافترى من ثورات القبط ومنها ثورة "البشموريين" و ادعى أن المسلمين الشياطين كانوا يغلون المسيحيين في القدور ويأكلونها بعد ذلك، ومن عجب أن تلتقط الخيط الروائية سلوى بكر وتؤلف رواية "البشموري" التي استنكرها كل المفكرين الإسلاميين، لما تحشوه من الكذب والمفتريات على المسلمين، وإذا أرادت الهيئة أن تؤدي رسالتها حقًا دون الاصطياد في الماء العكر، هناك كتاب بعنوان:"مسالك الأبصار" لابن فضل الله العمري، المتوفى 799ه وهو موسوعة عظيمة يقع في 27 مجلدًا ، ولم يطبع منه غير المجلد الأول طبع في العشرينيات بتحقيق أحمد زكى باشا شيخ العروبة، وكانت دار الكتب العلمية ببيروت وطنية أكثر من المصريين، فطبعت الكتاب في طبعة أنيقة خلال عام 2010. أما الأدباء فيتناولون في أعمالهم الأدبية مساوئ المسلمين فقط كأنهم الشياطين، أما الطرف الآخر وقادته فيظهرون في سمت الملائكة، ويختلقون الأكاذيب على التيار الإسلامي ويفترون عليه، وقد ألف يوسف القعيد رواية "قسمة الغرباء"، لم يجد مثلبة وإلا ونسبها للمسلمين فى مصر أما الآخر الذي لديه أخطاء أيضاً لا يجرؤ أيّ أحد من مثقفي النخبة والليبراليين الحظائريين على التعرض لهم من قريب أو بعيد لأنه "تابو" لا يجوز، ولا في الأحلام، وإلا حقت عليه اللعنة ولم يجد من ينشر له مقالاً أو كتاباً، أو يشير إليه في الإذاعة أو التليفزيون. وأمثاله من العلمانيين مثل أبو حمالات وبقري، وحمزاوي يعيبون على الرئيس تردده على المساجد ولأن هذا في زعمهم يثير حفيظة أخواننا في الوطن، بينما هم يذهبون إلى الكنائس ويخطبون بساحتها ويهيجون المسيحيين على أخوانهم المسلمين ويستقطبونهم إلى جانبهم في الانتخابات، بل لقد صرح القعيد نفسه حينما سرد ذكرياته في إحدى المجلات:"من مخاوف تلك الأيام التي لا تنسى (يقصد أيام طفولته) كان تحذير أبي وأمي ألا أذهب إلى الكنيسة. سيسخطنى القسيس ويغطسني في البئر لأخرج نصرانيًا أو كافرًا. من يومها والكنيسة هي أجمل مكان فى القرية بالنسبة لي، أمامها شجرة ذقن الباشا التي تحول المكان إلى جنة ومن ورائها الباب العالي عالم مجهول .ألم يقل أجدادنا أن كل شيء ممنوع مرغوب؟!!" ولي في هذا السياق موقف فقد اتصلت بأحد أساتذة التاريخ ويشرف على سلاسل كثيرة بهيئة الكتاب وهيئة قصور الثقافة ودار الشروق في آن واحد، عندما حلت الذكرى المئوية الأولى لبطرس باشا غالي الكبير فى 10/2/2010، وقلت له آن الأوان أن يعرف الناس حقيقة هذا الرجل المتواطئ دومًا مع الاحتلال البريطاني وهو الذي حكم على الأبرياء في دنشواي سنة 1906، وحاول مد امتياز قناة السويس 40سنة، وتعقب الوطنيين بالسجن والاعتقال، ووقع اتفاقية السودان دون الرجوع للحكومة المصرية استقواءً بالإنجليز كما يستقوي العديد من الأقباط اليوم ويطلب من إسرائيل وأمريكا التدخل في شئون مصر لمنع وصول الإسلاميين للحكم، فما من الأستاذ الذي يتحلى بالحيادية وإبراز الحدث التاريخى أن قال: لا يمكن الحديث في هذا الموضوع لأنه شائك ويدعو إلى الفتنة الطائفية، أظنه كان يعمل حسابًا ليوسف بطرس غالي وكان حاكمًا بأمره في هذا الوقت الذي سرق مصر ونهبها، نفس الموضوع تكرر مع أبوالعز الحريري فأثناء طلب نجيب ساويرس من الغرب التدخل لمنع صعود الإسلاميين في حواره مع قناة كندية في يناير الماضى، ولما طلب أحد الإسلاميين في حوار تليفزيوني رأيه في هذا، طلب عدم الخوض في هذا الموضوع حرصًا على شعور إخواننا المسيحيين، في حين يختلق الأكاذيب والأفكار المسمومة التي لا يطرقها إبليس ذاته على التيار الإسلامي. لقد احتفلوا برحيل البابا شنودة برغم موقفه من الثورة ودفاعه عن مبارك إلى آخر حياته، وتعاونه مع أمن الدولة في معالجة الملف القبطي، وهو الذي قال يومًا بعد حكم محكمة القيم سنة 1982:"حخليها دم للركب"، بينما إذا مات علم من أعلام الإسلام ضربت حوله ستار من الصمت وآخرها ما حدث مع الإمام الأكبر الراحل محمد سيد طنطاوي. هؤلاء هم العلمانيون الذين ظهرت حقيقتهم ووجوههم الكالحة التي تخاصم الشعب، إذا قال الإسلاميون رأيًا خالفوه وحاربوه ولو كان يصب في مصلحة الوطن، الكره للإسلام هو سيد الموقف الإسلام وحده في زعمهم هو أفيون الشعوب، وتسعى هذه الفئة الضالة والانتهازية من أجل زرع الفتن وإشاعة حالة الاستقطاب، هم يريدون وطنًا هشًا لا يقوى أبدًا وكلما خرج من أزمة، دخل في أزمة أخرى. abu_ [email protected]