فى فضائياتنا ندَّابات تولول, ونائحات تنوح, طوال ساعات الإرسال المترامية على مدى أربع وعشرين ساعة وبعضها يبث سمومه من خلال أعمدة بعض الصحف. فى برامجنا الفضائية لون جديد من الإعلام لم تعرفه مصر قبل ثورة 25 يناير.. أعنى به إعلام البلطجة.. والإسفاف.. وجر الشكل.. وإثارة الفتنة .. وتعطيل المراكب السايرة.. إعلام أصح ما يقال عنه إنه إعلام العجايز عجايز الفرح الذين لا تهفو نفوسهم إلا للسلبيات يضخمونها.. وينفخون فى رمادها ويشعلون نيرانها يعزف لهم إبليس على قيثارته بأصابع من فتن .. فإذا لم تصادفهم سلبية اخترعوها أو اختلقوها فالكذب الذى يدمنونه يسعفهم ويساندهم ويزين لهم أكاذيبهم, هذا هو شكل بعض برامج الفضائيات التى تضاعف عددها بعد الثورة بفعل فاعل, وتدبير مقصود!!. وإلا فهل من يجيبنى أين كانت هذه الأصوات الزاعقة والصارخة والكاذبة التى تتشنج الآن فى كثير من الفضائيات التى تتسابق فى رفع الصوت بالأكاذيب, والنفخ فى رماد الفتن, والتشكيك فى كل خطوة تخطوها الدولة رئاسة وحكومة.. إنها لا ترى فى مسيرة الخطى التى تخطوها الدولة إلا أنها طرق (الندامة) أو يرونها – لفرط سواد عقولهم – ومرض قلوبهم, وظلام أعينهم.. إنها السبيل للهاوية!!. الغريب أن كثيرًا من هذه الأصوات المتشنجة الصارخة والكاذبة فى نفس الوقت لم يكن لها هذا الصوت قبل الثورة.. ولم يعرف عنها كل هذه الأساليب الضالة فى مسيرتها الإعلامية قبل 25 يناير.. بعض هذه الأصوات كان مرتمياً فى أحضان النظام السابق وتحول أو تبدل أو تغير ولبس القناع. الأخ محمود سعد مثلًا كان متخصصًاًً فى أخبار الفنانين والفنانات, وكذلك هالة سرحان كانت متخصصة فى المجال الفنى وتحولت بقدرة قادر إلى محاور سياسى واجتماعى (بتاع كله) منذ أيام الثورة.. فازدادوا ضراوة فى الهجوم على القيادات التنفيذية بطرق غير لائقة وتفتقر إلى الذوق السليم, يطالب المسئولين باستعلاء واستدعاء الوزير على التليفون, واستدعاء المحافظ ليخاطب أى منهما بطريقة وكيل النيابة الذى يستجوب متهمين!! أو شخصية ضابط المباحث حين يخاطب "مسجل خطر"!! لا يعجبه مثلاًً أن محافظ يلبس (جلابية) حين قيامه بالتفتيش على ما يقع فى دائرته من أجهزة تنفيذية, يقول محمود فى استعلاء هاتولنا المحافظ على التليفون ثم يوجه للرجل كلمات فجة وتأنيب لا يليق, ولا يصدر من إعلام ملتزم بالأصول والقواعد المهنية ولو كنت مكان المحافظ لرفضت أصلاًً الحوار معه .. أو لقلت له: من أنت؟ أو (وانت مالك) ألبس جلابية أو ألبس بدلة؟؟. ماذا يستفيد المشاهد من هذا الكلام البذىء؟ ماذا نسمى هذا الذوق الإعلامي, هل هو تدن؟ هل هو إسفاف؟ أنا شخصياً أفضل أن أسميه باسمه الحقيقى وهو إعلام بلطجة أو بلطجة إعلامية.. حكاية استدعاء المسئول على التليفون خلال الحوار مع ضيوف البرامج الفضائية تتم كثيراً بهذا الأسلوب(الفج) أو اللا أخلاقي.. [ هاتوا لنا فلان على التليفون].. عبارة سمجة وغير مقبولة وتكشف عن شخصية قائلها.. الغريب أن ظاهرة النواح ولطم الخدود وشق الجيوب, سرت بين بعض المذيعين والمذيعات فى الفضائيات فهم وهن يصورون أحوالنا المجتمعية والسياسية على أنها سواد فى سواد.. وأننا فى كل يوم وفى كل قرار وكل خطوة يخطوها الرئيس وحكومته نسير من فشل إلى فشل.. إذا سافر الرئيس استنكروا! لماذا يسافر؟ إذا صلى .. تبرموا وتضايقوا ! إذا خطب بأسلوبه الشخصى الرائع.. امتعضوا!هل من علماء النفس؟والدكتور أحمد عكاشة على رأسهم, يحللون لنا بعلمهم نوعية هذه (النفسيات)التى لا يرضيها الرئيس إذا قام أو جلس, إذا سافر أو أقام.. إذا صلى أو خطب.. لم يذكروا له حسنة واحدة ولم يرضهم قرار, ألا أنهم سقطوا فى بئر الكراهية من الشعب وبئس القرار. هل هذا يمكن أن يوصف بأنه إعلام ثورة؟. إعلام يقوم على بلطجة وطول اللسان, وتشويه للحقائق, واختلاف للأكاذيب, ونشر اليأس وإثارة قلق المواطن على وطنه ومستقبله ويومه وغده, هل هو إعلام بناء مجتمعى أم إعلام هدم وتدمير وإسفاف؟. وصف هذا النوع من الإعلام بالبلطجة ليس مبالغة, فالبلطجة كما نعرفها هى فرض إرادة البلطجى على المواطن.. والتسلط على الآخر.. وابتزازه والعدوان السافر على إرادته وإخضاعه لرغبة البلطجى لتنفيذ رغباته الشريرة.. وماذا يكون هذا النوع من الإعلام الذى أصفه بإعلام البلطجة غير هذا.. محاولة هؤلاء الصنف من الإعلاميين فرض إرادتهم أو التعبير عن إرادة مموليهم على المشاهدين والمتلقين.. أليست هذه بلطجة؟ المدهش أن هؤلاء بلطجية الإعلام الكذابين النواحين الندابين ومعهم لاطمات الخدود والندابات لا يتجاوز عددهم العشرين, فكيف نحمى جماهير الشعب من هذا النوع من البلطجة التى تنفجر شرورها من بين شاشات الفضائيات وأبواق وأعمدة بعض الصحف التى لا تنشر إلا سمومها ولن تقتل إلا أصحابها.. لأن أمثال هؤلاء المنحرفين بالرسالة الإعلامية أعمارهم قصيرة لأنهم عادة حين يرون القافلة تسير ولا تلتفت إلى عواء الكلاب النابحة, يموتون عادة بغيظهم.. فيا قياداتنا الجامعية أعيدوا النظر فى برامج كليات الإعلام بالجامعات.. صححوا المسار التعليمى فى هذه الكليات.. حصنوا الخريجين الجدد حتى لا يقعوا فى منزلق إعلام البلطجة الذى يسود إعلامنا هذه الأيام!! ارحمونا من هؤلاء البلاطجة الذين يسمون زورًاً بالإعلاميين, ارحمونا يرحمكم الله,,,