جمال سلطان أخيرا انتصر صوت العقل والحكمة في حوارات المعارضة المصرية ، وأنجزوا اتفاقهم الذي أعتبره تاريخيا ، بتنسيق جهودهم في جبهة واحدة لخوض انتخابات البرلمان المقبل في مواجهة الحزب الوطني ، وعملوا بالحكمة الفطرية التي كانوا يعلمونها لنا منذ نعومة أظفارنا : تأبى العصي إذا اجتمعن تكسرا ، وإذا افترقن تكسرت آحادا ، ولا شك في أن هذه الجبهة تمثل قوة دفع هائلة لكل طرف من أطرافها ، فالجميع فيها رابحون ، ومن قبلها كان الجميع خاسرين بدرجة أو أخرى ، بطبيعة الحال لم أكن أتمنى أن يتم استبعاد قوة بحجم حزب الغد وأيمن نور ، وخاصة بعد الإنجاز المهم الذي حققه في انتخابات الرئاسة وهو ما يمثل زخما له وللجبهة إذا انضم إليها ، ولكن على كل حال المهم أن انجاز الجبهة تم ، ويبقى الإخلاص في العمل والتجرد لمستقبل الوطن ، وعلى الجميع أن يدعم الجميع ، بمعنى أن المعارك الفرعية وظلال التاريخ القديم أو الجديد ينبغي أن تختفي الآن ، وعلى جميع صحف المعارضة ومنابرها أن تتخذ خطابا سياسيا واحدا أو متجانسا في معركتها قبل الانتخابات وأثناءها ، لأنه بمقدار ما يبدو للرأي العام قوة الجبهة وإخلاص أطرافها وجدية اجتماعها بقدر ما يلقى المجتمع بثقله بكل قوة وثقة في صالحها على أمل أن تكون الخلاص له من واقع البؤس والفساد والاستبداد والقمع الذي عاشه سنوات طويلة ، ليس الخطاب الإعلامي المتجانس وحده هو قوة الدفع في هذه المعركة التاريخية ، وإنما سيكون هناك على صعيد حركة الشارع قوة دفع وعلى صعيد حشد الكتل الانتخابية الكبيرة في اتجاهات محددة ومتكاملة ، وأيضا على صعيد رقابة العملية الانتخابية وتوفير المندوبين عن كل مرشح في كل دائرة على مستوى مصر بالكامل ، وإذا كان من الجائز أو المحتمل أن يدخل أطراف من المنشقين على الحزب الوطني في قوائم أي حزب فإنه ينبغي أن تكون هناك مواثيق حزبية وشعبية وميدانية علنية تمثل التزاما أخلاقيا وسياسيا لهم أمام الناخبين وفي دوائرهم بحيث يقطع الطريق على الحزب الوطني لاستعادة عضوية أي مرشح منهم ينجح على حساب مرشحيه ، إن نجاح هذه الجبهة وميلادها لا تتوقف دلالته عند بعد الحسابات السياسية الانتخابية وحدها ، وإنما تمثل دعما لمسيرة الديمقراطية في عمقها الاجتماعي والمستقبلي لأنها تمثل مؤشرا على اقتراب المجتمع المصري مما يسميه الصديق بشير نافع " قاعدة إجماعية " ، بمعنى إيمان الأطراف كلها بقواعد سياسية وفكرية وقانونية ومدنية تمثل مشتركا عاما بين جميع قوى الأمة ، فهذا شرط وجود الديمقراطية في أي مجتمع ، والديمقراطية لم تتحقق في المجتمع الأوربي ذاته إلا بعد أن وجدت هذه القاعدة الإجماعية ، بطبيعة الحال الأمر لم يصل إلى اكتماله في مصر من هذه الناحية ، ولكن ميلاد الجبهة يمثل مؤشرا على أن الأمة من أقصى يمينها إلى أقصى يسارها أصبحت تملك قاعدة مهمة من الفهم السياسي والهم المشترك والأولويات المشتركة ، وهذه خطوة على الطريق ، بل قفزة على طريق الأمل الديمقراطي . [email protected]