المسكينة سنية عبدالرازق هى زوجة أحمد خلف (45 عاما) الذى توفى بعد أن عجزت توسلاتها فى مستشفى سوهاج العام لإنقاذه من الغيبوبة بسبب إضراب الأطباء. قصة المتوفى الذى كان يعانى من الكبد والسكرى نشرتها صحف القاهرة، لكن يبدو أن المضربين أضربوا حتى عن القراءة وصموا آذانهم عمن يتوسل الرحمة من ردائهم الأبيض. أسرة المريض اتهمت أطباء المستشفى برفض استقباله. يجب أن يجرى تحقيق جدى فى ذلك حماية لسمعة الطبيب المصرى نفسه والتى تأثرت كثيرا بسبب مستوى التعليم فى مصر، فالأجيال الجديدة منهم غير مرغوبة فى الخارج كما كان الأمر فى الماضي، واستعاضوا عنه فى دول الخليج على سبيل المثال بالأطباء الهنود والباكستانيين والعراقيين والسوريين! مستوى التعليم جعل بعض – وليس كل – خريجى كليات الطب من حفظة الثانوية العامة الذين يحصلون بالحفظ عن ظهر قلب على المجاميع الكبيرة التى تؤهلهم لأشرف رداء وأرحم مهنة، ومن ثم فلا عجب أن تسمع أو تقرأ سوء الألفاظ ممن يفترض أنهم علماء، لكن هناك فرقا بين أن تكون طبيبا ناجحا وبين الطبيب الذى نال ترخيص مهنته لأنه مجرد "صمام"! لا سبيل أمام أطباء مصر إلا بلدهم فهى التى ترضى ببعضهم حتى لو نسى فوطة فى بطن مريض، أو أخطأ فى العلاج المناسب فأودى بحياته، أو ساومه على التكاليف وهو يعاني. أما التهديد بالهجرة وترك البلد، فافعلوها إن استطعتم! الذين ليس لهم خير فى أهلهم لن يكون لهم خير فى بلاد الآخرين. الصمامون لا تطمئن حياة بين أيديهم. المختصر المفيد أن أحدا خارج مصر لن يقبل أطباء أضربوا عن أداء واجبهم الذى تعلموا من أجله، وإن استطاع أحدهم الحصول على عقد عمل فى الخليج فبراتب قليل "يكسف" ويخجل منه أى مصري. وعلى مر السنين الماضية كانت الوحدات الصحية فى القرى المصرية هى "الخليج" بالنسبة لكثير من الأطباء، خصوصا حديثو التخرج والخبرة، حيث يتحولون هناك من مهمتهم الأصلية لاستقبال المرضى الفقراء وعلاجهم بالمجان إلى عيادات متحركة يتجاوز دخلها الشهرى آلاف الجنيهات! لا يوجد طبيب واحد كل ما يحصل عليه هو راتبه من عمله فى مستشفيات وزارة الصحة، ومن هنا فإن الإضراب هدفه تعطيل البلد والتلفيق على الثورة وإرسال رسائل إلى المستثمرين والسياحة بأن الحال متدهور وساقط للغاية، فإذا كان الأطباء يهددون بالهجرة، فلماذا تأتون أنتم؟! اتركوهم يمضون فى حملة الاستقالات الجماعية ليروا أنهم سينضمون إلى طوابير البطالة والعاطلين عن العمل، وسيعرفون حينها معنى الحرمان الحقيقى الذى يعانيه نصف سكان مصر. المدهش والمضحك أن الأطباء المضربين وجهوا رسالة إلى المرضى بأن "معركتنا ليست معكم ولكن من أجلكم". بصريح العبارة "موتوا براحتكم ولكم الجنة واتركونا نقاتل"! [email protected]