كمال حبيب أظن أن الإشارة لسنة الاعتكاف ربما تكون الوحيدة في القرآن الكريم هي تلك المرتبطة بشهر رمضان الكريم ، فالإسلام دين يدعو إلي السعي في الأرض ومخالطة الناس والصبر عليهم ، كما يدعو إلي المشاركة والفعل الإيجابي ، ولكن الإشارة إلي الاعتكاف وتشريعه هي مرتبطة بقوة بشهر رمضان المبارك . ففي قوله تعالي " ولا تبا شروهن وأنتم عاكفون في المساجد " ، فالاعتكاف في المساجد يحرم معه مباشرة النساء ، وهنا تعويد النفس علي مستوي من الانضباط عال جدا خاصة فيما يتصل بغريزة الجنس الحيوية ، وأيضاً هو مستوي من الترفع والهمة العالية حين يدخل المسلم إلي المسجد في العشر الأواخر من رمضان فلا يخرج منه إلا مع نهايته ، حيث ينفصل الإنسان بشكل يكاد يكون تاماً عن كل مجريات الدنيا والحياة وصراعاتها وألوانها المضطربة والموارة ، هل يشير ذلك إلي استحضار المسلم لحالة مفارقة الدنيا حين يموت فعلاً وينقطع عن أهله وعن ماله وعن حياته ، لكنه لا يمكنه أن يعود بعد الموت ، لكن هذه التجربة الفريدة والخاصة والتي يعبر عنها الاعتكاف هي نوع من التمثل لتعبير التجرد علي أعلي مستوي . بل هو دخول في حالة حقيقية لمفارقتها وكأنها الموت ، لكنه يعود ثانية إليها يتأملها بزينتها وزخرفها وومضها من مال وبنون ونساء وذهب وفضة وشركات وزملاء ومطامح وآمال تلعب بالخيال والنفس ، هذا كلها كيف يتصرف معه من دخل في تجربة الخلوص منه إلي خالقه ورارزقه ، سوف يتعامل معه بحجمه الحقيقي ، ودعنا أقول أننا في تجاربنا ومشروعاتنا أيا كانت نتحدث عن التقويم والحصاد وإعادة النظر في هذا المشاريع والتجارب ، والمعتكف يمر بتجربة وجدانية واقعية وحقيقية يعيد فيها تقييم خبرته في الحياة ونظرته إلي الدنيا ومتاعها بحيث يعيد وضعها في مكانه الملائم من النظام العام للكون ومقاصد خالقه سبحانه وتعالي . هنا المعتكف يتخذ قراراً فرديا ً في العشر الأواخر من رمضان ، حيث يكون قد مر بمعاناة الصيام والقيام واعتاد عليهم وأحبهما ، فنفسه تعلمت الامتناع وتربت علي الضبط وجسده قد تعود علي القيام الطويل خلف الإمام وسمع القرآن ، وهنا يدخل بهذا كله إلي ممارسة عملية الانقطاع الحقيقية عن الدنيا ، يعني إعلان حقيقي علي إرادة الارتفاع علي متاع الدنيا وعلي علاقاتها وأواصرها ليؤكد حقيقة أنها في يده وأن قلبه هو ملك خالقه ، وأن إرادة الإيمان أقوي من أي شئ يمكن أن يشوشها أو يزعزها . أذكر أنني وكنت وقتها طالباً في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام 1977 م ، وكنت تحولت إلي عالم الحركة الإسلامية ، وكان عمري وقتها ربما عشرين عاماً ، وفي الإجازة الصيفية توافت مع رمضان ومع وجودي بقريتي ، ودعوت الناس خاصة الشباب منهم إلي الاعتكاف وكان ذلك أول مرة يسمع الناس فيها عن ذلك ، وكما يعرف القراء انتشر الخبر في القرية وتساءل الناس واعتكفنا مجموعة من الشباب ، وكان الاعتكاف أشبه بمعسكرات العمل لكنها علي أعلي مستوي من الانضباط و فيها تمتين لعلاقات الأخوة والصداقة وتربية النفس ، واليوم كل مساجد قريتي تمارس الاعتكاف وكان لنا بحمد الله فضل إعادة تذكير الناس بسنة الاعتكاف . رمضان والصيام والاعتكاف والقيام كلها تعطيني معني أهمية الإنسان في الرؤية الإسلامية ، وأنه محور الإصلاح ، ومن النفس وعمقها تتغير الدنيا والمجتمعات والأمم ومن هنا كان شهر رمضان ساحة وفضاء لتعليم المسلم وتربيته من خلال الممارسة علي الارتقاء بالروح المسلمة وتزكيتها وأخذها نحو مراقي الجنة ومدارجها ، هذه هي مدارج السالكين إلي ربهم وإلي رضي الله سبحانه وتعالي كما أشار بن القيم . هنا في رمضان يتعلم الإنسان بالممارسة كيف يكون تغيير النفس ومنها يكون تغيير المجتمعات والأمم ، وربما يتجلي لي الآن معني " إن الله لا يغير مابقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم " فالتغيير يبدأ من النفس أولا ، الاعتكاف هو تعبير عن أن الإيمان هو ممارسة وليس مجرد معني غائم لا يشعر به المسلم . وكأني بالاعتكاف يعلم المسلم كيف يتعلم الإخفاء والإسرار بعمله ، وكيف يتعلم الانقطاع والاتصال ، وكيف يتدرب علي الخروج من حالة الاعتكاف إلي مباهج العيد والاجتماع مع كل المسلمين حيث يكون لكل ذلك مذاق جديد وطعم مختلف وروح جديدة صنعها رمضان . هذه عناوين للمنظمات الإسلامية التي يمكن من خلالها لأي مسلم المساعدة في مصاب إخواننا في كشمير وباكستان ومنطقة جنوب آسيا 1.www.islamic-relief.com 2.www.muslimaid.org 3.www.ihh.org 4.www.denizfeneri.org