عبد الرحمن بن الكمال أبى بكر بن محمد سابق الدين الخضيرى الأسيوطى المشهور باسم جلال الدين السيوطى، ولد يوم الأحد الموافق لمثل هذا اليوم من عام 1445م، فى القاهرة، رحل أبوه من أسيوط لدراسة العلم، وكان سليل أسرة اشتهرت بالعلم والتدين، فكان أبوه من العلماء الصالحين ذوى المكانة العلمية الرفيعة، أتم جلال الدين حفظ القرآن وهو دون الثامنة، ثم حفظ بعض الكتب فى تلك السن المبكرة مثل العمدة، ومنهاج الفقه والأصول، وألفية ابن مالك، فاتسعت مداركه وزادت معارفه. قام برحلات علمية عديدة شملت بلاد الحجاز والشام واليمن والهند والمغرب الإسلامى، ودَّرس الحديث بالمدرسة الشيخونية، ثم تجرد للعبادة والتأليف عندما بلغ سن الأربعين. عاش السيوطي فى عصر كثر فيه العلماء الأعلام الذين نبغوا فى علوم الدين على تعدد ميادينها، وتوفروا على علوم اللغة بمختلف فروعها، وأسهموا فى ميدان الإبداع الأدبى، فتأثر السيوطي بهذه النخبة الممتازة من كبار العلماء، فدرس الفقه والنحو والفرائض، ولم يمض عامان حتى أجيز بتدريس اللغة العربية، وألف فى تلك السنة أول كتبه وهو فى سن السابعة عشرة، وهو كتاب "شرح الاستعاذة والبسملة". لما اكتملت أدوات السيوطي جلس للإفتاء عام 1466م، وأملى الحديث فى العام التالى، وكان واسع العلم غزير المعرفة، يقول عن نفسه: "رُزقت التبحر فى سبعة علوم: التفسير والحديث والفقه والنحو والمعانى والبيان والبديع"، بالإضافة إلى أصول الفقه والجدل، والقراءات التى تعلمها بنفسه، والطب. عُيّن فى أول الأمر مدرسًا للفقه بالشيخونية، وهى المدرسة التى كان يلقى فيها أبوه دروسه من قبل، ثم جلس لإملاء الحديث والإفتاء بجامع ابن طولون، ثم تولى مشيخة الخانقاه البيبرسية التى كانت تمتلئ برجال الصوفية، ونشب خلاف بين السيوطي والمتصوفة وكادوا أن يقتلوه، حينئذ، فقرر أن يترك الخانقاه البيبرسية، ويعتزل الناس ومجتمعاتهم ويتفرغ للتأليف والعبادة. تمنى السيوطي أن يكون إمام المائة التاسعة من الهجرة لعلمه الغزير، فيقول: "إني ترجيت من نعم الله وفضله أن أكون المبعوث على هذه المائة، لانفرادي عليها بالتبحر فى أنواع العلوم". زادت مؤلفات السيوطي على الثلاثمائة كتاب ورسالة، عدّ له بروكلمان (415) مؤلفًا، وأحصى له "حاجي خليفة" فى كتابه "كشف الظنون" حوالى 576 مؤلفًا، ووصل بها البعض كابن إياس إلى (600) مؤلف. ومن أشهر مؤلفاته فى الفقه: "الأشباه والنظائر فى فقه الإمام الشافعى" و"الحاوي فى الفتاوي"، و" الجامع فى الفرائض" و" تشنيف الأسماع بمسائل الإجماع"، وفى اللغة وعلومها كان له فيها أكثر من مائة كتاب ورسالة منها: "المزهر فى اللغة"، و"الأشباه والنظائر فى اللغة"، و"الاقتراح فى النحو"، و"التوشيح على التوضيح"، و"المهذب فيما ورد فى القرآن من المعرب" و"البهجة المرضية فى شرح ألفية ابن مالك"، وفى ميدان البديع كان له: "عقود الجمان فى علم المعاني والبيان"، و"الجمع والتفريق فى شرح النظم البديع"، و"فتح الجليل للعبد الذليل". فى التاريخ والطبقات ألف أكثر من (55) كتابًا ورسالة يأتى فى مقدمتها: "حسن المحاضرة فى أخبار مصر والقاهرة"، و "تاريخ الخلفاء"، و"الشماريخ فى علم التاريخ"، و"تاريخ الملك الأشرف قايتباي"، و"بغية الوعاة فى طبقات النحاة"، و"نظم العقيان فى أعيان الأعيان"، و"در السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة"، و"طبقات الأصوليين". ومن مؤلفاته الأخرى الطريفة: "منهل اللطايف فى الكنافة والقطايف"، و"الرحمة فى الطب والحكمة"، و"الفارق بين المؤلف والسارق"، و"الفتاش على القشاش"، و"الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد فى كل عصر فرض". توفى الإمام السيوطى فى منزله بروضة المقياس (المنيل) فى 20 أكتوبر عام 1505م، ودفن بجواره والده فى أسيوط، وله ضريح ومسجد كبير بأسيوط.