الحكومة تكشف تفاصيل زيادة سعر الخبز المدعم: القرار خلال أيام    انطلاق حملة صكوك الأضاحي 2024 بالتقسيط في مطروح    البيت الأبيض: فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية بسبب إسرائيل لن يكون صائبًا    مايكل أوين يمدح بيلينجهام ويؤكد: لديه فرصة الفوز بالكرة الذهبية    «بعد الفوز بالكأس».. أفراح في الإسكندرية لصعود الاتحاد لنهائي دوري السوبر المصري للسلة 2024    بمشاركة الأهلي.. فيفا يكشف نظام بطولة إنتركونتيننتال 2025    أنسي أبو سيف عن جائزة الدولة: شعرت أنها نتيجة رحلة طويلة    الخميس.. قصور الثقافة تقيم حفلا لأغاني موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب مجانًا    هل يجوز الجمع بين صيام العشر الأوائل من ذي الحجة وقضاء رمضان؟    برنامج تدريبي للأطباء والصيادلة والتمريض والمثقفين الصحيين في مطروح    «المصري اليوم» تنفرد بنشر تفاصيل جناية جديدة ارتكبها عصام صاصا خلال مغادرته مصر    ما حكم الصلاة الفائتة بعد الإفاقة من البنج؟.. أمين الفتوى يجيب    القبض على «ٌقمر الوراق» بحوزتها 2.5 كيلو «حشيش» (التفاصيل الكاملة)    محافظ أسوان يترأس اجتماع مجلس الصحة الإقليمي (تفاصيل)    ننشر أسماء المتقدمين للجنة القيد تحت التمرين في نقابة الصحفيين    بدء الاختبارات الشفوية الإلكترونية لطلاب شهادات القراءات بشمال سيناء    ضبط شخص يدير صفحة عبر "فسيبوك" للنصب على أهالي كفر الشيخ    رئيس الأعلى للإعلام يشيد بالعلاقات القوية بين مصر والسعودية    لاعب أرسنال: الأعين كلها نحو رفح    بعد قليل.. مؤتمر صحفي للكشف عن تفاصيل مشروع رقمنة ذكريات الفنانين بالذكاء الاصطناعي    تعرف علي الحكاية الكاملة لفيلم ولاد رزق    ختام المؤتمر العربي ال22 لرؤساء المؤسسات العقابية والإصلاحية    رسميًا.. طرح شيري تيجو 4 برو بشعار "صنع في مصر" (أسعار ومواصفات)    متى يلزم الكفارة على الكذب؟.. أمين الفتوى بدار الإفتاء يوضح    "هيئة الدواء" توقع مذكرة تفاهم مع "مركز مراقبة الدولة للأدوية" بكوبا لتبادل الخبرات    بسبب نادي نيس.. مانشستر يونايتد قد يشارك في دوري المؤتمر الأوروبي    كشف ملابسات سرقة سائق بإحدى شركات تطبيقات النقل الذكي حقيبة سيدة    برلمان جورجيا يمرر قانون التمويل الخارجى للمنظمات غير الحكومية المثير للجدل رغم الاحتجاجات    محافظ الإسماعيلية يشيد بدور مجلس الدولة في فض المنازعات وصياغة القوانين    تعرف علي مناطق ومواعيد قطع المياه غدا الاربعاء بمركز طلخا في الدقهلية    روسيا تطور قمرا جديدا للاتصالات    جمال رائف: الحوار الوطني يؤكد حرص الدولة على تكوين دوائر عمل سياسية واقتصادية    من أفضل 10 فرق.. جامعة الجلالة تصل لتصفيات «الابتكار وريادة الأعمال» إفريقيا (تفاصيل)    رئيس جامعة بني سويف يشهد الاحتفال بيوم الطبيب    اشترِ بنفسك.. رئيس "الأمراض البيطرية" يوضح طرق فحص الأضحية ويحذر من هذا الحيوان    شروط ومواعيد التحويلات بين المدارس 2025 - الموعد والضوابط    القبض على المتهم بقتل صديقه في مشاجرة بقليوب    رئيس الوزراء يتابع جاهزية المتحف المصري الكبير وتطوير المناطق المحيطة    طريقة عمل شاورما الفراخ بأقل التكاليف    موعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2024.. تصل إلى 9 أيام متصلة (تفاصيل)    محافظ مطروح يشهد ختام الدورة التدريبية للعاملين بإدارات الشئون القانونية    بشرى للمواطنين.. تفاصيل حالة الطقس ودرجات الحرارة حتى نهاية الأسبوع    خلال زيارته للمحافظة.. محافظ جنوب سيناء يقدم طلبا لوفد لجنة الصحة بمجلس النواب    تفاصيل الساعات الأخيرة في حياة فؤاد شرف الدين.. «كان يقاوم الألم»    إسرائيل تعتقل 22 فلسطينيا من الضفة.. وارتفاع الحصيلة إلى 8910 منذ 7 أكتوبر    محافظ الجيزة: تطوير وتوسعة ورصف طريق الطرفاية البطئ    عمرو الفقي يهنئ «أون تايم سبورت» بفوز «ملعب أون» بجائزة أفضل برنامج رياضي عربي    "الإنجازات تلاحقني".. تعليق مثير من رونالدو بعد خطف لقب الهداف التاريخي لروشن    وزيرة الهجرة تلتقي أحد رموز الجالية المصرية في سويسرا للاستماع لأفكاره    مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية يوضح فضل حج بيت الله الحرام    توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 28 مايو 2024.. مكاسب مالية ل«العذراء» ونصيحة مهمة ل«الميزان»    «حياة كريمة» تطلق مبادرة «تقدر في 10 أيام» لدعم طلاب الثانوية العامة بكفر الشيخ    معهد صحة الحيوان يعلن تجديد اعتماد مركز تدريبه دوليا    مصرع شخص صعقا بالكهرباء داخل منزله بقرية شنبارة فى الشرقية    كارول سماحة تعلق على مجزرة رفح: «قلبي اتحرق»    دويدار: الجزيري أفضل من وسام أبو علي... وأتوقع فوز الزمالك على الأهلي في السوبر الإفريقي    حمدي فتحي: أتمنى انضمام زيزو لصفوف الأهلي وعودة رمضان صبحي    عضو مجلس الزمالك: إمام عاشور تمنى العودة لنا قبل الانضمام ل الأهلي.. ولكن!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بلاغة التلميح في حديث : " ثلاث من كن فيه..."
نشر في المصريون يوم 30 - 05 - 2020

في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ثلاثٌ من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما ، وأن يحبَّ المرءَ لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار ). [ أخرجه البخاري (16)، ومسلم (43) ].
وهو حديث جليل عظيم الشأن ، بل هو أصل من أصول الإسلام ،كما قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم ، والمقصود منه بيان أهمية هذه الأمور المذكورة فيه ، وأنَّ من توافرت فيه بصدق وَجدَ للإيمان في قلبه حلاوةً تُيسر له استلذاذ الطاعات ، وتحمل المشقات في رضا الله سبحانه ، واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم .
وقد لفت نظري قول الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه لهذا الحديث في فتح الباري ( 1/ 60) : ( وفيه تلميح إلى قصة المريض والصحيح، لأن المريض الصفراوي يجد طعم العسل مراً، والصحيح يذوق حلاوته على ما هي عليه ، وكلما نقصت الصحة شيئاً ما نقص ذوقه بقدر ذلك ) .
والتلميح - ويسميه بعضهم التمليح - فنٌ جميلٌ من فنون البلاغة العربية ، من فروع علم البديع ، وحقيقته كما ذكر الشيخ محيي الدين الدرويش في كتابه إعراب القرآن وبيانه ( 3/ 59) : ( هو أن يشار في فحوى الكلام إلى مثل سائر ،أو شعر نادر ،أو قصة مشهورة ، أو ما يجري مجرى المثل ) . ومعنى ذلك أن المتكلم لا يُصرِّح بذكر القول أو المثل أو القصة ، وإنما يشير إلى ذلك إشارة خفية ، فيكتفي بالتلميح دون التصريح اعتماداً على فطنة القارئ أو السامع وذكائه .
ولتوضيح ذلك التعريف أذكر مثالين مما ذكره صاحب المصدر السابق في سياق حديثه عن فن التلميح : أما أولهما فهو ما حُكي عن أبي العلاء المعري أنه كان يتعصب لأبي الطيب المتنبي ،فحضر يوماً مجلس الشريف المرتضى فجرى ذِكْرُ أبي الطيب ،فهضم المرتضى من جانبه . فقال له أبو العلاء: لو لم يكن له من الشعر إلا قوله: " لك يا منازل في القلوب منازل" ،لكفاه، فغضب المرتضى ،وأمر به فسحب وأخرج .وبعد إخراجه قال المرتضى: هل تدرون ما عنى بذكر البيت؟ فقالوا: لا واللّه، فقال: عنى به قول أبي الطيب في قصيدته: وإذا أتتك مذمتي من ناقص ** فهي الشهادة لي بأنيَّ كامل
وللتوضيح أقول : إن الشطر الذي ذكره أبو العلاء ،هو مطلع قصيدة المنازل لأبي الطيب ، والبيت على التمام هو : لكِ يا منازلُ في القلوبِ مَنازِلُ ** أَقفَرتِ أَنتِ وَهُنَّ مِنكِ أَواهِلُ
لكنَّ أبا العلاء - كما فهم الشريف المرتضى – لم يكن يقصد البيت المذكور ،ولا القصيدة بجملتها ، وإنما كان يشير فقط إلى قول أبي الطيب في تلك القصيدة : وإذا أتتك مذمتي من ناقص ... إلخ ، وهذا التلميح فيه اتهام للشريف المرتضى بالنقص ، وهذا هو الذي أثار غضبه وجعله يأمر بإخراج أبي العلاء على الصورة المذكورة في القصة .
وأما المثال الثاني فهو ما حكاه ابن الجوزي في كتاب الأذكياء قال: قعد رجل على جسر بغداد ،فأقبلت امرأة بارعة في الجمال من جهة الرُّصافة إلى الجانب الغربي ،فاستقبلها شاب، فقال لها : رحم اللّه عليَّ بنَ الجهم ،فقالت له: رحم اللّه أبا العلاء المعري، وما وقفا ،بل سارا : مُشرِّقاً ومُغَرِّبةً ،قال الرجل : فتبعت المرأة فقلت لها: واللّه إن لم تقولي ما أراد بابن الجهم فضحْتُكِ ، قالت أراد به:
عيون المها بين الرُّصافة والجسرِ ** جلَبْنَ الهوى من حيثُ أدري ولا أدري
وأردت بأبي العلاء قوله:
فيا دارها بالكَرْخ إن مزارها ** قريب ولكن دون ذلك أهوالُ
أي أن ذلك الشاب ألمح إلى بيت عليِّ بن الجهم في الغزل ، قاصداً التعرض لتلك المرأة بشيء مما يسمى في عصرنا بالتحرش اللفظي، فأشارت بترحمها على أبي العلاء إلى بيته المذكور الذي يُفهم منه أنَّ عليه أن يقطع أمله فيها ، فإنها وإنْ ظنَّها قريبة المنال ؛إلا أنَّ الوصولَ إليها دونه أهوال .
نعود إلآن إلى كلام الحافظ ابن حجر لنستجلي ما أراده من وقوع "فن التلميح " في هذا الحديث الشريف ، فإن مقصود الحافظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ألمح من خلال هذا الحديث إلى ما هو معروف عند العرب ،بل عند الأمم عامةً ،من أن الشخص المريض لا يتلذذ بطعم الماكولات والمشروبات ،حتى إنه ربما وجد العسل مُرَّ المذاق ، بخلاف الإنسان السليم الذي يحس بطعم الأشياء على ما هي عليه ، وهو المعنى الذي صاغه المتنبي بعد ذلك شعراً في قوله:
ومن يك ذا فمٍ مُرٍّ مريضٍ ** يجد مُراً به الماء الزلالا
وإنْ كان أبو الطيب أيضاً لم يقصد المعنى الحسي المباشر ، وإنما كان يقصد الرد على أناسٍ كانوا يذمونه ويعيبون شِعرَه ،فيقول: إنَّ العيب ليس في شعره ،وإنما في كونهم ليسوا من أهل الذوق الشعري والإدراك الأدبي ،الذي يمكنهم من فهم قصائده ، فهي استعارة تمثيلية شبَّه الشاعر فيها حال منتقديه بحال المريض الذي يجد الماء العذب الزلال مراً في فمه ، لا لعيبٍ في الماء ،وإنما لمرضٍ عند الشارب .
والتلميح في الحديث يُفهم من كونه صلى الله عليه وسلم قد شبَّه الإيمان بطعام أو شراب ذي طعم حلو ،ولكن هذا الطعم لا يجده إلا من توافرت فيه شروط معينة هي المذكورة في الحديث ، وهذا يستدعي في ذهن اللبيب قضية الصحيح والمريض التي أشار إليها ابن حجر ، فكأنه يريد أن يقول لنا : كما أنكم تعلمون أن الإنسان السليم يحس بطعم الأغذية الطيبة ويتنعم بها ، وأن الإنسان المريض بخلاف ذلك ،حتى إنه قد يجد العسل في فمه مراً ، فكذلك صاحب القلب السليم من أمراض الغفلة والهوى يذوق طعم الإيمان ويتلذذ به ويشعر بثمرته ، وصاحب القلب المريض بخلاف ذلك . فكان ذلك من بديع الاستعارة وفصيح البيان.
وأخيراً : لا بد من الإشارة إلى أن هذا التوضيح البلاغي الذي قدمناه ، إنما يخدم قضية مهمةً من قضايا الاعتقاد ،وقاعدةً عظيمة دلت عليها نصوص الوحييْن ،واستقرت عند أهل السنة والجماعة ، ألا وهي كون الإيمان يزيد وينقص ، وأن أهل الإيمان يتفاضلون فيما بينهم . فإيمان أبي بكر وعمر مثلاً لا يساويه إيمان آحاد الناس ، وقد قال عمر رضي الله عنه فيما أخرجه البيهقي في شُعب الإيمان بسند صحيح، : ( لو وُزن إيمانُ أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح بهم ) .
وبيان ذلك أن إشارة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قضية الصحيح والسقيم ، تدل على أن الناس ليسوا على درجة واحدة في قوة الإيمان ، وإنما هم متفاوتون فيه كتفاوتهم في الصحة والمرض ، فإذا كان الواقع أنه كلما نقصت صحة الشخص شيئاً ما نقص ذوقه بقدر ذلك - كما نقلناه عن الحافظ ابن حجر قبل قليل – فإن الناس كذلك في مسألة الإيمان يتفاوتون تفاوتاً كبيراً ، وكلما نقص الإيمان شيئاً ما ،نقص ما يستشعره القلب مِن حلاوته وما يجده من ثمرته بقدر ذلك النقص . ولهذا قال الحافظ بن حجر في تتمة كلامه السابق : ( فكانت هذه الاستعارة من أوضح ما يقوى استدلال المصنف- أي البخاري - على الزيادة والنقص ) أي على زيادة الإيمان ونقصانه .
عبد الآخر حماد
عضو رابطة علماء المسلمين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.