من الفيلم الأمريكى المسيء إلى الرسوم الفرنسية الأشد إساءة إلى ردود الأفعال الغاضبة المنضبط منها والمنفلت تعيش الأمة من أقصاها إلى أقصاها حالة من التيه فى مشهد عبثى عجيب، ورأيى أنّ كل ما يحدث ليس وليدًا للصدفة العمياء ولا للخبطة العشواء إنّما هو أمر مدبر بليل وقد تٌشور فيه فى غير هذا المكان، هذا هو مختصر رأيى، وموجز خبرى وإليك الأنباء بالتفصيل.. ما من شك أن الأيدى الخفية التى تمسك بخيوط اللعبة تهدف من وراء ذلك إلى ضرب عدة عصافير بحجر واحد بمعنى أنه لا مانع من جس نبض المسلمين الذين تحولوا إن جاز التعبير إلى جثة هامدة بعد أن فقدوا الهوية وعجزوا عن الإجابة عن سؤاليها الملحين: من نحن اليوم؟! وماذا نريد؟! وصورتهم التى رسمها الشاعر عن بعض بلاد المسلمين "لم يبق فيهم أبو بكر.. ولا عثمان.. جميعهم هياكل عظمية فى متحف الزمان.. تساقط الفرسان على سروجهم.. وأعلنت دولة الخصيان.. وأعتقل المؤذنون فى بيوتهم وألغى الأذان.. جميعهم تضخمت أثداؤهم وأصبحوا نسوان. جميعهم يأتيهم الحيض ومشغولون بالحمل والرضاعة.. جميعهم قد ذبحوا خيولهم، وارتهنوا سيوفهم.. وقدموا نساءهم هدية لقائد الرومان.. لم يبق فى دفاتر التاريخ لا سيف ولا حصان.. جميعهم قد تركوا نعالهم.. وهربوا أموالهم.. وخلفوا وراءهم أطفالهم.. وانسحبوا إلى مقاهى الموت والنسيان.. جميعهم تخنثوا.. تكحلوا.. تعطروا.. تمايلوا أغصان خيزران.. حتى تظن خالدًا سوزان.. ومريما مروان.. وأعتقد أن المخططين كانوا يتوقعون أحد احتمالين: أولهما: أن القضية لن تحرك للمسلمين ساكنًا وسوف يصمتون صمت القبور.. وينامون نومة أهل الكهف ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا، كما سكتوا من قبل عن إهانة المصحف بإلقائه فى المراحيض على يد جنود المارينز فى جوانتانامو.. وهنا ينبغى مضاعفة جرعة الإهانة والإذلال لكل ما هو مقدس فى نفوسهم حتى يخرجوا من الجغرافيا كما خرجوا من التاريخ من قبل. أما ثانى الاحتمالين: أن يثور المسلمون- كما حدث- ضد من أهان نبيهم وأن يعلنوا المقاطعة للبضائع المستوردة من تلك الدول التى نشرت صحيفتها هذه الصور المسيئة، وعندئذ تلجأ الشعوب المسلمة إلى البديل، وهنا يسعد أقوام ويشقى آخرون كما قال المتنبي: بذا قضت الأيام ما بين أهلها مصائب قوم عند قوم فوائد ومن ناحية أخرى ما المانع أن تصبح أوروبا مستهدفة من قبل المسلمين هى الأخرى على طريقة – ودت الزانية لو أن كل النساء يزنين- ولا مانع هنا من بيان شجب وإدانة لتلك الرسوم المسيئة من البيت الأبيض، أو حتى يعلن الرئيس أوباما نفسه أنه سوف يقاطع المنتجات الفرنسية مشاركة للمسلمين فى مصائبهم!!! وإن العم سام سوف يطلق أي دولة أوروبية تتجرأ أو تقوم بنشر هذه الرسوم مهما كانت حبيبة إلى قلبه!! وعليها بعد ذلك أن تتربص بنفسها الثلاثة قروء!! ولا بأس أن يخرج علينا كتاب المارينز ليثبتوا صحة مقولاتهم الداعية إلى صراع الحضارات.. وأن المسلمين قوم لا يقدرون حرية الرأى ولا يقدسون الاختلاف المطلق فى وجهات النظر المختلفة.. وكيف يقدرون ذلك؟! وهم يقطنون دولا عجيبة.. حيث دخول المرء للمرحاض يحتاج إلى قرار.. والشمس كى تطلع تحتاج إلى قرار.. والديك كى يصيح يحتاج إلى قرار.. ورغبة الزوجين فى الإنجاب تحتاج إلى قرار.. والعجيب أن الغرب الذى يتحدث عن أن حرية التعبير هى حرية مطلقة.. ينسى أن حرية التعبير هذه هى حق إنسانى.. وكل تصرفات الإنسان بالمنطق الغربى العلمانى نسبية مطلقة.. فكيف تتحول الحرية فى التعبير إلى قيمة مطلقة يراد بها أن تكون فوق القيم الأخرى… واللافت للنظر أنّ الحكومات الغربية بدأت تتعامل مع الأزمة بفكرة نظرية الأوانى المستطرقة، حيث تترادف التصريحات والتعليقات كلها على معنى واحد وكأنّها خرجت من مشكاة واحد، وتتساوى فيها الدول الكبرى كالولايات المتحدة والدول المتوسطة الحجم كفرنسا وألمانيا مع الدول المكروسكوبية الحجم كالدينمارك مثلا لقد تساووا جميعاً فى نحت العبارات حتى لكأنّهم أسنان حمار!!!