على الرغم من حملات التوعية التي دشنتها مؤسسات الدولة المختلفة؛ لمواجهة التفكك الأسرى والحد من انتشار الطلاق، إلا أن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، أعلن ارتفاع معدلات الطلاق في مصر في 2018 مقارنة ب 2017. وجاء في النشرة السنوية لإحصاءات الزواج والطلاق لعام 2018، «بلغ عدد شهادات الطلاق 211 ألفا و554 عام 2018 مقابل 198 ألفا و269 شهادة عام 2017 بزيادة 6.7 في المئة». وبلغ معدل الطلاق 2.2 في الألف عام 2018 مقابل 2.1 في الألف عام 2017، فيما بلغ بالحضر 2,9 في الألف مقابل 1,7 في الألف بالريف. كما بلغ أعلى معدل طلاق 4.3 في الألف في محافظة القاهرة، بينما بلغ أقل معدل طلاق 1 في الألف في محافظتي أسيوط والمنيا. وبحسب البيان: «بلغ عدد عقود الزواج 887 ألفا و315 عقدا عام 2018 مقابل 912 ألفا و606 عقود عام 2017، بنسبة انخفاض 2.8 في المئة». وفي سبتمبر عام 2018، أطلق الأزهر الشريف، حملة بعنوان «وعاشروهن بالمعروف»؛ للحد من نسب الطلاق في البلاد، بعد 5 أشهر من حملة بعنوان «لم الشمل»، لمواجهة هذه الظاهرة المقلقة. الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية، قال إن ما قامت به الدولة لمواجهة الطلاق لم يحل الأسباب التي تؤدي إليه، منوهًا بأن الدوافع ما زالت قائمة ولم تتمكن الحملات من القضاء عليها، ومن ثم لم تتراجع معدلات الطلاق. وفي تصريحات خاصة ل«المصريون»، أضاف «صادق»، أن هناك أسباب عديدة ينتج عنها الطلاق، منها سوء الأوضاع الاقتصادية وعدم قدرة بعض الأزواج على توفير قوت أسرته أو حياة كريمة لهم، مضيفًا أن الدولة لم تتمكن من حل هذه المشكلة. أستاذ علم الاجتماع، أشار إلى أن الزواج المبكر يعد أحد الأسباب الرئيسية في ارتفاع معدل نسب الطلاق، مشيرًا إلى أنه لم يتم حتى الآن حل هذا الأمر، وبالتالي النسب لم تتراجع. ونوه بأن الطلاق ليس في الأسر متوسطة الحال أو الفقيرة فقط، بل إنه موجود أيضًا بين الأسر ميسورة الحال، مستطردًا: «هؤلاء يكون لهم أسباب أخرى تؤدي إلى الطلاق». واعتبر «صادق»، الطلاق في بعض الأحيان أفضل، لا سيما إن كان استمرار الزواج سينتج عنه مشكلات وأزمات أعمق، من الوارد أن تؤثر على الأطفال بشكل سلبي، مستكملًا: «الطلاق يكون أحيانًا جيد؛ لأنه يؤدي إلى رفع النضج والتوعية لدى البعض، ما يؤدي إلى عدم الوقوع في الظروف والأسباب التي أدت للطلاق». أما، الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي بالأكاديمية الطبية العسكرية، قال إن الحملات التي يتم إطلاقها لا تسير على الأسس الصحيحة التي يمكن من خلالها الحد من نسب الطلاق، واصفًا إياها بأنها حملات «خيبة وليست توعوية». وأضاف «فرويز»، في تصريحات خاصة ل«المصريون»، أنه يتم الاعتماد على غير المتخصصين في هذه الحملات، مشيرًا إلى أن الأمر يسند إلى غير أهله، ومن ثم لا تكون هناك نتائج إيجابية وتستمر النسب في الارتفاع. استشاري الطب النفسي، لفت إلى أنه يجب اللجوء والاعتماد على متخصصين في الطب النفسي وفي العمليات النفسية لبحث الأزمة وإيجاد حلول لها، مؤكدًا أن الأزمة ستظل مستمرة، طالما يتم الاعتماد على غير المتخصصين. من جانبه قال محمد عبد الله، مدرس علم النفس بجامعة المنوفية، إنه لا بد من زرع وعي لدى الأجيال المتعاقبة بأن علاقة الزواج تنبع من القدرة على التفاهم والتعاطي مع المشكلات المختلفة وليست كما يتصور البعض أنه عبارة عن علاقة منفعة ومصلحة فقط. وأضاف في تصريحات صحفية، أنه يجب إعادة الثقافة القديمة المتصلة بالتحاور والجلوس مع الأهل لحل المشاكل المستعصية، بدلًا من القرارات المندفعة التي جعلت من محكمة الأسرة ملاذًا للكثير من الأزواج الراغبين في الانفصال، لافتًا إلى أنه مع إنشاء محكمة الأسرة أصبحت الخلافات تتم من خلالها وارتفعت نسب الطلاق بدلًا من التراضي والتصالح. وقالت عبلة الهواري عضو لجنة الشئون التشريعية والدستورية بمجلس النواب، والمجلس القومي للمرأة، إن أبرز أسباب الطلاق في مصر سوء الاختيار إضافة إلى الزواج المبكر، حيث أن هناك شريحة كبيرة من الأشخاص يتوجهون إلى الزواج وفقًا لاختيارات خاطئة فمنهم من يعتمد على الشكل فقط دون الخصائص الأخرى للشخص مثل التوافق الفكري والمستوى التعليمي وغيرها. وأوضحت في حديث لها، أن هناك عدة طرق يمكن من خلالها القضاء على ظاهرة الطلاق في مصر، ومنها اهتمام المؤسسات الدينية بملف الطلاق وإطلاق عدة حملات توعية للمواطنين بخطورة الطلاق على تفكك الأسرة وتشرد الأطفال. وتهدف وحدة «لم الشمل»، التي أطلقها الأزهر في أبريل الماضي؛ «لمواجهة ظاهرة انتشار الطلاق، وحماية الأسرة المصرية، والحفاظ عليها من التفكك والتشتت». وتسعى الوحدة أيضًا «لحماية الأسرة المصرية، والحفاظ عليها من التفكك والتشتت، ويدور عمل الوحدة حول دراسة الظاهرة نظريًا، إضافة إلى دور عملي يتمثل في زيارة المراكز والقرى، لنشر الوعي ولم شمل الأسرة والصلح بين المتخاصمين». كذلك، أعدت وزارة التضامن الاجتماعي، مشروع لتوعية الشباب المقبلين على الزواج تحت مسمى «مودة»؛ للحد من الارتفاع المطرد لأعداد حالات الطلاق في المجتمع المصري. وقالت الدكتورة غادة والي، وزيرة التضامن الاجتماعي إن مشروع «مودة» يهدف بشكل عام، إلى تضافر الجهود للحفاظ على كيان الأسرة المصرية، من خلال تدعيم الشباب المقبل على الزواج بكل الخبرات اللازمة، لتكوين الأسرة وتطوير آليات الدعم والإرشاد الأسريّ وفض أي خلافات أو نزاعات، بما يساهم في نهاية الأمر في خفض معدلات الطلاق. كما يهدف المشروع إلى تفعيل جهات فض النزاعات الأسرية؛ للقيام بدورها في الحد من حالات الطلاق، وكذا مراجعة التشريعات التي تدعم كيان الأسرة وتحافظ على حقوق الطرفين والأبناء.