نتذكر منذ سنوات عديدة، كان أحد المفكرين يتحدث فى برنامجه التليفزيونى عن خلق الكون، والنظام البديع لتناسق الليل والنهار مع الشمس والقمر، ثم أطلق على الرب صفة (المهندس الأعظم).. وقامت الدنيا وهاج وماج الكثير من المفكرين وغير المفكرين ورجال الدين، فكيف يطلق على الله لقب (المهندس)؟؟ ثم تكرر الأمر مع البعض، ذاكرين لقب (الطبيب الأعظم) وهكذا. ولكن القضية يا سادة هذه المرة مع السيد المسيح شخصيًا عندما أطلقوا عليه أنه (اللاجئ) الأول فى العالم لمصرنا الحبيبة. وفى هذا عجب، ومع احترامنا لسكرتير المجمع المقدس الذى يهدد ويحذر ويوبخ من ينتقد أو يعارض قيادتنا الكنسية متهمًا إياهم بالمأجورين أو أصحاب (المرض النفسى)، علمًا بأنهم ذكروا قضايا عقائدية وطقسية وملاحظات إيمانية مستمدة من الكتاب المقدس مثل قضيتنا هذه؛ ومع احترامنا لأصحاب لقب (لاجئ) الذى أطلق على السيد المسيح فإن إنجيل معلمنا متّى البشير ذكر الأمر بوضوح شديد عندما أظهر ملك إسرائيل فى ذلك الوقت تخوفه الشديد من ظهور الطفل يسوع المسيح على قيد الحياة وكانت النبوءة أنه سيصبح ملكًا على إسرائيل ولم يفهم حقيقة النبوءة أنه الملك الروحى وليس الجسدي العالمى، فسعى الملك لقتل الصبى يسوع لذلك، فقد ظهر الملاك ليوسف النجار فى حلم آمرًا إياه (قُم وخذ الصبى وأمه واهرب إلى مصر) متّى2. ولقد تم هذا الهروب؛ تحقيقًا للنبوءة الأخرى التى ذكرها الكتاب المقدس عن السيد المسيح (من مصر دعوت ابنى) متى 2.. هذه حقيقة الهروب إلى مصر، والحقيقة المدهشة لنا أن السيد المسيح كان طفلًا صغيرًا وليس صاحب قرار الهروب إلى مصر، بل القرار صدر من ملاك الرب، ثم نفذه يوسف النجار والعذراء مريم ولو أردنا - مجازًا - إطلاق لقب (اللجوء) فهما من باب أولى أصحاب هذه الأولوية!!! - هذا مجاز أما حقيقة اللجوء فإن نظرة - غير فاحصة - للكتاب المقدس سوف نجد عشرات الأنبياء والرسل (اللاجئين) - إذا كان البعض يهوى الألقاب - فلا مانع من إطلاق هذه الصفة عليهم منذ أبو الآباء إبراهيم مرورًا بيوسف الصديق ثم يعقوب وأولاده أسباط إسرائيل ال12، ثم جميع الأنفس الذين معهم ثم.. أرميا النبى و.. و.. الكثير والكثير من اللاجئين الحقيقيين يمتلئ بهم الكتاب المقدس!!! واللاجئ هو الشخص الذى يلجأ للدولة التى يذهب إليها عارضًا مشكلته والاضطهاد الذى يعانيه فى بلدته الأصلية، ويطلب مساعدة الدولة الجديدة للإقامة والعمل، وهذا من أنواع اللجوء ولكن السيد المسيح لم يفعل مثل هذا إطلاقًا؛ ولذلك فلا يوجد فى تقاليد كنيستنا العريقة هذا اللقب الذى أطلق مؤخرًا على السيد المسيح رغم وجود عشرات الكتب والدراسات عن رحلة العائلة المقدسة إلى أرض مصر، ونرجو أن لا يلومنا أصحاب الأبواق والألقاب لتناول هذه المشكلة علانية؛ وذلك لأنه من مبادئ كنيستنا الأرثوذكسية أن الخطأ العلنى يجب تصحيحه علنًا، والخطأ الذى يتم فى الخفاء يعالج أيضًا فى الخفاء، ومع احترامنا لعظمة وأهمية رحلة العائلة المقدسة وهى مملوءة بالمعجزات والأماكن الأثرية الرائعة وبالتالى فليست بحاجة إلى تزويق وتحميل لقب غير حقيقى ولا منطقى أن السيد المسيح هو أول لاجئ فى العالم! تحياتي.. القس مكاريوس فهيم قليني، عضو دائم باتحاد الكتاب.