عمر المختار الملقب بشيخ الشهداء أو أسد الصحراء، مقاوم ليبى حارب قوات الغزو الإيطالى منذ دخولها أرض ليبيا إلى عام 1931 حارب الإيطاليين وهو يبلغ من العمر 53 عامًا لأكثر من عشرين عامًا، خاض خلالهم أكثر من ألف معركة، واستشهد بإعدامه شنقًا، وتوفى عن عمر يناهز 73 عامًا. ولد عمر المختار يوم 20 أغسطس عام 1861، تربى يتيمًا وكفله حسين الغريانى، تلقى تعليمه الأول فى زاوية جنزور على يد إمام الزاوية الشيخ عبد القادر بوديه العكرمى، أحد مشايخ السنوسية، ثم سافر إلى الجغبوب ليمكث فيها ثمانية أعوام للدراسة، فدرس علوم اللغة العربية والعلوم الشرعية، وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب. بعد الانقلاب الفاشي في إيطاليا في أكتوبر 1922، وبعد الانتصار الذي تحقق فى تلك الحرب إلى الجانب الذى انضمت إليه إيطاليا، تغيرت الأوضاع داخل ليبيا واشتدت الضغوط على محمد إدريس السنوسى، واضطر إلى ترك البلاد إلى مصر عاهدًا بالأعمال العسكرية والسياسية إلى عمر المختار، فى الوقت الذى قام أخوه الرضا مقامه فى الإشراف على الشئون الدينية. بعد الغزو الإيطالي على مدينة إجدابيا مقر القيادة الليبية، أصبحت كل المواثيق والمعاهدات لاغية، وانسحب المجاهدين من المدينة وأخذت إيطاليا تزحف بجيوشها من مناطق عدة نحو الجبل الأخضر، وفى تلك الأثناء تسابقت جموع المجاهدين إلى تشكيل الأدوار والانضواء تحت قيادة عمر المختار، كما بادر الأهالى إلى إمداد المجاهدين بالمؤن والعتاد والسلاح، وبدأت ملحمة جهاد وطنى طويلة امتدت حوالى 20 سنة بقيادة عمر المختار ضد المحتل الإيطالى. توالت انتصارات المجاهدين، الأمر الذى دفع إيطاليا إلى إعادة النظر فى خططها وإجراء تغييرات واسعة، فأمر موسولينى بتغيير القيادة العسكرية، فعين "بادليو" حاكمًا عسكريًا على ليبيا فى يناير 1929م، ويعد هذا التغيير بداية المرحلة الحاسمة بين الإيطاليين والمجاهدين. تظاهر الحاكم الجديد لليبيا فى رغبته للسلام لإيجاد الوقت اللازم لتنفيذ خططه وتغيير أسلوب القتال لدى جنوده، وطلب مفاوضة عمر المختار، تلك المفاوضات التى بدأت فى 20 إبريل سنة 1929م. عندما وجد المختار أن تلك المفاوضات تطلب منه إما مغادرة البلاد إلى الحجاز أو مصر أو البقاء فى برقة وإنهاء الجهاد والاستسلام مقابل الأموال والإغراءات، رفض كل تلك العروض، وكبطل شريف ومجاهد عظيم عمد إلى الاختيار الثالث وهو مواصلة الجهاد حتى النصر أو الشهادة. دفعت مواقف المختار إيطاليا إلى دراسة الموقف من جديد، وتوصلت إلى تعيين جراتسيانى ليقوم بتنفيذ خطة إفناء وإبادة، تمثلت فى عدة إجراءات، منها: قفل الحدود مع مصر بالأسلاك الشائكة لمنع وصول المؤن والذخائر من مصر، والتوسع فى الاعتقال والسجن والقتل والتنكيل، وحصار المجاهدين فى الكفرة والجبل الأخضر. فى 11 سبتمبر 1930 توجه عمر المختار بصحبة عدد صغير من رفاقه، لزيارة ضريح الصحابى الجليل رويفع بن ثابت بمدينة البيضاء، وكان أن شاهدتهم وحدة استطلاع إيطالية، وأبلغت القيادة لا سلكيًا، وإثر اشتباك فى أحد الوديان قرب عين اللفو، جرح حصان عمر المختار، فسقط إلى الأرض، وتعرّف عليه فى الحال أحد الجنود المرتزقة الليبيين. كان جراتسيانى وقت القبض عليه يقضى إجازة فى باريس، ولما وصله الخبر قرر إلغاء إجازته واستقل طائرة خاصة وهبط ببنغازى وفى اليوم نفسه طلب إحضار عمر المختار إلى مكتبه لكى يراه بأم عينيه. انعقدت للمختار محكمة صورية فى مركز إدارة الحزب الفاشستى ببنغازى مساء يوم الثلاثاء عند الساعة الخامسة والربع فى15 سبتمبر 1931م، وبعد ساعة صدر منطوق الحكم بالإعدام شنقاً. فى مثل هذا اليوم عام 1931، اتخذت جميع التدابير اللازمة بمركز سلوق لتنفيذ حكم الإعدام، بإحضار جميع أقسام الجيش والميليشيات والطيران، وأحضر 20 ألفًا من الأهالى وجميع المعتقلين السياسيين خصيصًا من أماكن مختلفة لمشاهدة تنفيذ الحكم فى قائدهم، وأحضر الشيخ عمر المختار مكبل الأيدى، وعلى وجهه ابتسامة الرضا بالقضاء والقدر، وبدأت الطائرات تحلق فى الفضاء فوق المعتقلين بأزيز مجلجل حتى لا يتمكن عمر المختار من مخاطبتهم. في تمام الساعة التاسعة صباحًا سلم الشيخ إلي الجلاد، وكان وجهه يتهلل استبشارًا بالشهادة وكله ثبات وهدوء، فوضع حبل المشنقة فى عنقه، وقيل عن بعض الناس الذين كان على مقربة منه أنه كان يؤذن فى صوت خافت آذان الصلاة، والبعض قال إنه تتمتم بالآية الكريمة: "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية" ليجعلها مسك ختام حياته البطولية.