الحملة على الأزهر تقف وراءها جهات أجنبية.. وأقول لمهاجمى الإمام الأكبر: كيدكم فى نحركم الأذان الموحد يغنينا عن كوارث.. لكن أرفض المساس بالثوابت الدعاة السلفيون يركزون على القشور وخطابهم يبتعد عن روح وجوهر الإسلام طالب الدكتور منصور مندور، كبير الأئمة بوزارة الأوقاف، الأئمة والدعاة بألا يضيعوا وقت الناس وجهدهم في أشياء فرعية، وأن يركزوا على الأصول، والعقائد والفرائض، وأن تنصب جهودهم بشكل خاص على الشباب ليؤكدوا لهم أهمية الدين في حياتنا وكيفية التعامل معه. وعبر مندور عن رفضه لفكرة الخطبة الموحدة التي تطبقها وزارة الأوقاف في مختلف مساجد مصر، باعتبارها "تقتل الإبداع لدى الخطيب"، فضلاً عن أنه يجب أن يراعي في الخطبة حالة الناس ومستواهم العلمي والثقافي والبيئة التي يعيشون فيها، فما يناسب الصعيد لا يناسب القاهرة ولا الإسكندرية. ورفض الرأي القائل بأن الدعاة الأزهريين لم ينجحوا في ملء الفراغ الذي تركه الدعاة السلفيون، قائلاً: "بفضل الله ظهر دعاة رسميون تابعون للأزهر الشريف، أصحاب شعبية وتأثير قوى في المجتمع وبين العوام، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في عدم ظهور علماء الأزهر الأكفاء كثيرًا في الإعلام. واعتبر أن حملة الهجوم على الأزهر "تقف وراءها جهات أجنبية، تزرع بين المسلمين من يتكلم بلسانهم، والتاريخ مليء بمثل هؤلاء ماتوا وادحروا وبقيت شبهاتهم مردودًا عليها، وعلى الرغم من اقتناعهم بالردود على الشبهات التي أثيرت إلا أنك تجد محاولات مستديمة لإحيائها مرة أخرى". وقال إن هذه "الحملات تهدف إلى تشويه الأزهر، وإلى تزييف الحقائق، وخلخلة رصيد الأزهر في قلوب المسلمين، وتصيد السقطات لبعض منتسبي الأزهر لشن الهجوم عليه". ورأى كبير الأئمة بوزارة الأوقاف أن "تجديد الخطاب الديني يكون من خلال الأدوات والوسائل، ولا يتعرض إلى الثوابت، لكن البعض يتحامل على العبارة ويأخذها إلى غير مقصدها، ويتحجج بأن هناك تغييرًا في الأحكام". وإلى نص الحوار: - كيف يستغل الشباب رمضان أفضل استغلال؟ بداية يجب أن نوضح أن شهر رمضان شهر البركات والتنافس والإقبال على الله عز وجل، وهو شهر الفرص, والشاب العاقل هو الذي يستغل هذا الوقت لأنه يعلم جيدًا أنه موقوف بين يدي الله، مسئول أمام الله عز وجل عن شبابه فيما أفناه، وليعلم أن المقبل على طاعة الله تعالى محسوب ضمن السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله، فعليهم أن يستغلوا هذا الشهر الكريم في شحن أنفسهم بنور الإيمان، وبتدبر القرآن وبالمواظبة على الفرائض وصلاة الجماعة والإكثار من النوافل، وأيضًا يتخذونه فرصة للقضاء على البطالة، من خلال العمل في الأعمال الموسمية الرمضانية، كبيع المخللات والعرقسوس والتمر، والكنافة وغيرها مما يعود عليه بدخل وفير قد لا يتحقق في شهر آخر، وبذلك يكون استغل رمضان أفضل استغلال يعمر الدنيا في النهار، ويقبل على التعبد بالليل. - ما أكبر الأخطاء التي يقع فيها الشباب في رمضان؟ من وجهة نظري هو الإعلاء من النوافل على حساب الفرائض، بحيث يُقبل الشباب على صلاة التراويح في الشهر الفضيل وللأسف الشديد يضيعون الفروض الأساسية في رمضان أو غيرها، فتجدهم لا يصلون الفجر ولا الظهر ولا أي فرض، فأنا لا أرى الإقبال على المساجد في رمضان ظاهرة صحية، فرب رمضان هو رب باقي الشهور وعليهم المحافظة على الصلوات جميعها في غير الشهر الفضيل، وللأسف أيضًا ما يعيب بعض الشباب، من ملابس خارجة، وألفاظ لا يقبلها الشرع فما بالك بشهر رمضان، كما أن هناك فهمًا خاطئًا لعدد كبير من الشباب للشهر الفضيل، فهو بالنسبة إليهم شهر للخيام الرمضانية، والسهرات حتى بعد مطلع الفجر، ومسابقات رياضية، وبرامج تسلية، وهو ما يضيع عليهم فرصة التعبد والإقبال على الله، من التعلم والتعليم وقيام الليل وتدبر القرآن.. ورحم الله من قال: إذا لم يكن في السمع مني تصامم *** وفي مقلتي غض، وفي منطقي صمت فحظي إذن من صومي الجوع والظما *** وإن قلت: إني صمت يوماً فما صمت - بماذا تنصح الأئمة والوعاظ في الشهر الفضيل؟ يجب أن يكون الأئمة على وعي كامل بالأساليب التي يحدثون بها العامة، الأهم فالمهم، فلا يضيعون وقت الناس وجهدهم في أشياء فرعية، فعليهم التركيز على الأصول، والعقائد والفرائض، وأن يلفتوا نظر الشباب إلى أهمية الدين في حياتنا وكيفية التعامل معه، وكيفية تدبر القرآن، وعلى الأئمة أن يحذروا الشباب من أن الدين الإسلامي دين شعائر فقط، وأن يعلموهم أن الإسلام دين منهج وحياة وعقيدة، والإمام الناجح والصادق هو الذي يستغل الشهر الفضيل في تقريب الشباب إلى ربهم عز وجل، وتحذيرهم من المخاطر المحدقة بالإسلام، والتحذير من الضلالات والأهواء والشهوات، ولابد للأئمة من إظهار الغاية من كل فريضة، والإجابة العلمية لكل القضايا التي تخص الشباب. - ما المدة الكافية لصلاة العشاء والتراويح.. فهناك مساجد تأخذ أكثر من ساعتين؟ ليست محددة شرعًا لكنها متروكة للإمام والبيئة المحيطة بمسجده، هناك مساجد تستغرق نصف ساعة وهناك أخرى في ساعة، وهناك مساجد كبرى تجد مساحة من الوقت للتعبد والتعلم فتأخذ ساعتين مثلًا كأيام الاعتكاف، المهم هو مراعاة حالة الناس والمصلين، وأن لا يكون هناك تطويل يشعر الناس بالضجر، أو أن يقعوا في التسرع، وعدم الطمأنينة، التي نطالب بها من الله عز وجل وهو الخشوع في كل حركة من حركات الصلاة، فنحن لا نعد على الله تعالى، الوقت الذي نقف بين يديه فيه، بل علينا الخشوع والخضوع في الصلاة. - ما رأيك في قرار جامعة الأزهر بمنع دخول أي طالب من العام المقبل يلبس سلسلة أو حظاظة أو بنطلونًا مقطعًا أو يظهر بمظهر غير لائق؟ أرى أنه تأخر كثيرًا، فلابد لطالب الأزهر أن يكون قدوة حسنة في الشكل والملبس والأخلاق، فكان لابد لهذا القرار أن يتخذ منذ وقت طويل، وبالتحديد منذ ظهور هذه الموضة السيئة، وخاصة مع ظهور حلقة "القزع"، والتي يحلق الشاب فيها جزءًا من شعره ويترك البعض الآخر، وهذه منهي عنها شرعًا، وللأسف يقع فيها بعض الشباب العالم بأمور دينه. وهذا السلوك من بعض الطلاب يدل على التبعية والهزيمة النفسية وانعدام الثقة بالنفس, ومن ثم عليهم أن يعلموا أن دينهم دين العزة والكرامة وأنه جاء ليخرجهم من الظلمات إلى النور؛ فلا يليق بشاب مسلم يقلد دون فهم أو وعي. - هل ترى أن عودة الزي الأزهري الكامل للطلاب حتى الجامعات الأزهرية هو الحل للقضاء على الظواهر السلبية في الملابس؟ لا أرى أن من المناسب عودته الآن، فلا نستطيع فرضه على الطلاب، فهناك حكمة تقول تغيير المألوف أشد من طرق السيوف، فالطلاب تعودوا في حياتهم العامة على ملابس معينة، فلا ينبغي لهم أن نغير هذا الأسلوب كليًا بل الأصح هو تقيمه وتعديله، ووضع ضوابط بما يتناسب مع طلاب العلم الشرعي، فجامعة الأزهر تشمل كليات شرعية وأخرى غير شرعية، مثل التجارة والتربية الرياضية والهندسة والطب، كيف نلزم هؤلاء بزي أزهري واحد مع أن إلزام طلاب الكليات الشرعية أيضًا صعب، لأن هذا سوف يدفعهم للغياب عن حضور المحاضرات، والحضور للامتحانات فقط. - هل يقوم الأئمة والوعاظ بدورهم بمساعدة الدولة في الحرب على الإرهاب؟ الأئمة والدعاة الصادقون يجاهدون بألسنتهم أكثر ممن يجاهدون بأسِنّتِهم (برماحهم)، بل هم حائط السد المنيع ضد الإرهاب والعنف؛ فهم يجاهدون أكثر من أي أحد آخر في محاربة الإرهاب، فالإمام الناجح الذي يفهم رسالته ومكانته، يستطيع أن يكون جنديًا قويًا في سبيل الدفاع عن دينه ومعتقداته ووطنه في مواجهة الفكر المتطرف، فعلماء الدين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدًا غيره، فلهم كل التحية والتقدير لأنهم يُحجّمون فكر الإرهاب ويجففون منابعه الفكرية المتطرفة من البداية، لأن الإرهاب يعتمد على مفاهيم مغلوطة في تشويه الدين الإسلامي بفكر منحرف وحجج واهية، إضافة إلى ما قامت به الوزارة من تنظيم 12 ألف ملتقى ثقافيًا من أجل التوعية بأصل هذا الدين وتصحيح المفاهيم الخاطئة. ومن ثم فإن إمام المسجد ليس عمله الرئيسي - على الرغم من أهميته - أداء الصلاة فقط، بل هو أحد الموجهين الرئيسين في بناء المجتمع المسلم، وتوجيهه سواء من خلال المنبر أو حلقات العلم، والدروس الوعظية، والمنهجية؛ ويتضح دور الإمام في نشر الفكر الوسطى المستنير بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والبُعد عن الغلو والتشدد وتحصين الشباب والنشء من أصحاب الأفكار المتشددة والمتطرفة، وتوضيح صورة الإسلام وسماحته وعدالته دون غلو أو تشدد وذلك من خلال الدروس الدينية والعلمية والتثقيفية. ويتضح دوره أيضًا في تنمية المجتمع وتطوره من خلال عمله من المسجد، وخارجه, وتطوره وترشيده وعلاقته بأبناء منطقته وحل المشاكل الأسرية والخلافية؛ فهو الإمام وهو القاضي وهو المعلم والناصح الأمين. وعلى هذا فإن إمام المسجد له أدوار ومهام متعددة كلفته بها الشريعة الإسلامية ليكون مشعلًا من نور يضيء للمسلمين، ولمن يريد النور دربهم في كل الأحوال والظروف، فينمي المجتمع ويطوره، فينشر فيه العلم والمعرفة والأمن والأمان. - كم إمامًا وخطيبًا غير متخصص أو له توجهات سياسية إخوانية أو سلفية أو إرهابية تم إنهاء خدمتهم في السنوات الأربع الأخيرة؟ الأصل في الإمام الذي يؤم صفوف المسلمين ألا يكون تابعًا لفكر أو توجه سياسي أو جماعة معينة، فهو إمام لجميع المسلمين وليس جماعة أو فئة محددة، ومن ثم لو ثبت لدى الوزارة من خلال التحقيقات، أن إمامًا ما، يعتنق فكرًا أو مذهبًا سياسيًا بعيدًا عن وسطية الإسلام، سوف يتم إبعاده وإقصاؤه في أسرع وقت، أضف إلى ذلك أن أكاديمية الأوقاف، التي أنشأتها الوزارة، سوف يكون لها دور كبير في بناء شخصية الأئمة ومحاربة الفكر المتطرف والمعوج. - بعد 2010 تبيَّن أن بعض مقيمي الشعائر من السيدات كما كان الحال في البحيرة مثلًا.. ويأتي هذا ضمن التعيينات العشوائية للحزب الوطني.. كيف تم التعامل مع هذا الملف الشائك؟ لا أتذكر هذه الواقعة، ولا أعرف مدى صحتها، لكن الأسلوب المتبع الآن أسلوب دقيق، وفيه حرص على مصلحة المتقدمين، فهناك بوابة إلكترونية للوزارة بها قسم مخصص من أجل تقديم طلبات الوظائف، بدرجاتها المختلفة بداية من الإمام ومقيم الشعائر ثم المؤذن أو عامل، وكل وظيفة لها شروط وضوابط محددة، لا مكان في التعيين للرشاوى أو الوسائط أو ما إلى ذلك، ولو ثبت أن هناك من حصل على الوظيفة بطريقة ملتوية أو بالواسطة يتم فصله حالًا, ويتم مراجعة كثيرٍ من الوظائف وخاصة العامل الذي تم تعيينه منذ أيام الحزب الوطني، حتى إنشاء البوابة الإلكترونية، فلو ثبت أنه حصل عليها بطريقة غير شرعية؛ يتم فصله على الفور والتحقيق مع من ساعده على ذلك. - هل نجحت تجربة الأذان الموحد؟ وما الهدف منه؟ أنا ممن يؤيدون هذه التجربة؛ لأنها تعفينا من سماع أصوات شاذة وأخطاء لغوية كارثية تغير معنى الأذان، وأداء ركيك، التجربة في مهدها تم تجربتها على أكثر من 100 مسجد في القاهرة، ومن ثم بإذن الله يتم تعميمها على القاهرة الكبرى، ومن ثم الجمهورية بأكملها، وبالمناسبة ليست فكرة جديدة فقد بدأها الدكتور حمدي زقزوق، وزير الأوقاف الأسبق عام 2009، وكانت على 4000 مسجد حينها في القاهرة الكبرى، وفي 2019 يعيد الدكتور مختار جمعة التجربة، ونأمل من الله أن يعمها النجاح. - وماذا عن مستقبل آلاف المؤذنين بوزارة الأوقاف؟ المؤذن هو موظف سوف يؤدي رسالته، عن طريق إقامة الصلاة ومتابعة المسجد، فلا خوف عليهم فهم موظفون في الأوقاف بالنهاية، ولن يتم تسريحهم كما أشيع. - هل تم تطبيق وزارة الأوقاف منع صلاة التراويح بمكبرات الصوت أو ترشيدها؟ نعم، منذ العام الماضي والأمر مطبق، وأنا أرى أن الهدف منها منع التشويش على المرضى، وكبار السن المجاورين للمساجد، ومن الجيد أن نكتفي بالسماعات الداخلية بالمسجد فقط. - هل أتت الخطبة الموحدة بثمارها.. وما الأهداف التي تحققت منها حتى الآن؟ أعتقد أنها تقتل الإبداع لدى الخطيب، وتحجم من قرائه، لأن بعض الأئمة يعتمد على الخطبة المكتوبة من الوزارة، وهناك جانب آخر، وهو أنه يجب أن يراعي في الخطبة حالة الناس ومستواهم العلمي والثقافي والبيئة التى يعيشون فيها، سواء كانت زراعية أو صناعية، فما يناسب الصعيد لا يناسب القاهرة ولا الإسكندرية، وأقترح أن تجتمع كل إدارة أوقاف، وتحدد 4 أو 5 خطب في الشهر بما يتناسب مع البيئة التى يقع فيها أغلب المساجد التابعة لها، ومن ثم تبلغ الإدارة التابعة لها أنها سوف تلتزم بتلك الموضوعات على مدار الشهر، وإذا كان هناك أمر جلل على مستوى الجمهورية يستطيع حينها الديوان العام بالوزارة تعميم الخطبة على جميع مساجد الجمهورية، وحتى الآن موضوع الخطبة الموحدة يحتاج إلى إعادة نظر، لكي يستطيع الخطيب أن يبتكر ويطور نفسه ويثقل نفسه بالعلم والبحث. - كيف ترى أن خطيبًا يقف على منبر رسول الله ويكتب الخطبة ويقرأ من الورقة وكأنه درس إنشاء لا روح فيه؟ هذه مواهب وإمكانيات، ولكن الأفضل أن تكون الخطبة نابعة من قلب الإمام وحواسه، فما خرج من القلب دخل القلب وما خرج من اللسان لا يتجاوز الأذن، وندعو إلى عدم قراءة الخطبة من الورقة، وخاصة أن جميع خطباء مصر مؤهلون لذلك، فهم يحدثون أبناء بلدهم وبلغتهم, ولا يتحدثون إلى أفراد من لغة أخرى أو لهجة مختلفة سوف تفهم بعض كلماتهم بالخطأ. - لماذا نجح السلفيون فيما لم ينجح فيه أولاد الأزهر.. فرغم اختفاء وتجفيف منابر السلفيين لم يستطع نجوم ذات شعبية من الدعاة الرسميين.. هل لعدم أحقية من يحتلون الشاشات أم لضعف الخطاب والمواضيع التي تهم الناس؟ لا أتفق معك في هذا التوصيف، فهم مازالوا يتحدثون عن القشريات ولا يدخلون في عمق الإسلام وحضارته ومبادئه، فمعظم خطبهم عن تقصير الجلباب والنقاب واللحية، والمقابر وزيارتها؛ وبفضل الله ظهر دعاة رسميون تابعون للأزهر الشريف، أصحاب شعبية وتأثير قوى في المجتمع وبين العوام، ولا أحب أن أذكر أسماء، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في عدم ظهور علماء الأزهر الأكفاء كثيرًا في الإعلام. - كيف ترى الهجوم الأخير من العلمانيين على الأزهر الشريف.. وهل هجومهم عليه سيكون له تأثير قوي أم سيظل أزهرنا شامخًا في وجوهم.. ومن برأيك ألجأت الداعمة لهؤلاء؟ لا شك، أن الأزهر كان ولا يزال، أكبر وأهم مؤسسة ومرجعية في العالم، منذ أكثر من 1050 عامًا، فالأزهر هو رمز المنهج الوسطي في الإسلام، ويسعى لنشر الروح السمحة، وفي الوقت ذاته يقف كالجبال في وجه التشدد والمتشددين والمنحرفين فكريًا الذين يشوهون صورة الإسلام، فلا غرابة عندما نجد من يحاربونه ويهاجمونه فهي محاولات قديمة حديثة، تقف وراءها جهات أجنبية، تزرع بين المسلمين من يتكلم بلسانهم ومن هم من بني جلدتهم، والتاريخ مليء بمثل هؤلاء ماتوا وادحروا وبقيت شبهاتهم مردودًا عليها، وعلى الرغم من اقتناعهم بالردود على الشبهات التي أثيرت إلا أنك تجد محاولات مستديمة لإحيائها مرة أخرى، والتطاول على الأزهر الشريف يعد تطاولًا على مصر، لأنك تهاجم تاريخ دولة وثقافة شعب ودين مقدس، حفظه الله عز وجل ليكون آخر الرسالات السماوية إلى الأرض، وحتى وقتنا هذا لم يتهرب أو لم يتخلَ عن دوره في التصدى لجميع القضايا الشائكة ليس في مصر فقط بل في العالم بأثره، فالأزهر هو القوة الناعمة الحقيقية لمصر، فعلى العقلاء من أبناء الأمة المحافظة عليه وتقويته، فالأزهر يصل إلى أكثر من دولة، من خلال أبناء تلك الدول الذين يدرسون الدين الإسلامي في جامعاته. - كثير من العلمانيين يتحججون بأن أغلب الإرهابيين خريجو الأزهر.. ما تعليقكم على ذلك؟ هذه حملات تهدف إلى تشويه الأزهر، وإلى تزييف الحقائق، وخلخلة رصيد الأزهر في قلوب المسلمين، معتمدين على إخفاء الحقائق الحسنة والأعمال الجليلة للأزهر الشريف، ويظهرون ويكثفون الحديث عن بعض السقطات لبعض منتسبي الأزهر، ويكبرونها ويضخمونها، معتقدين أن ذلك ينتقص من شأن الأزهر، فهم يعددون بعض الأسماء الضالة في وسط مئات الآلاف من أبناء الأزهر الذين يملأون الدنيا علمًا ونورًا، ويقفون أمام نشر الفكر المتشدد الظلامي، فمهاجمي الأزهر هناك من يدفعهم إلى ذلك ويقف خلفهم وينفق عليهم بسخاء، ويغدق عليهم بعطاياه الكثيرة، ولكن أقول لهؤلاء كيدكم وسعيكم مردود عليكم في نحوركم، وحسبنا قول الله تعالى، يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)"، فالأزهر يؤدي رسالته العالمية بالمنهج الوسطي للإسلام ويصحح المفاهيم المغلوطة، ويقف بجوار المستضعفين في الأرض، وفي النهاية أدعوهم للعودة إلى رشدهم. - ما الأسباب الحقيقية للانحدار المجتمعي والتدني الأخلاقي وحالة السباب المبالغ فيها على السوشيال ميديا والحياة عامة.. وكيف يتم علاجها؟ السبب الأول والرئيسي، هي الدراما المصرية التي تسعى لتشويه عقول الناس، فبعد أن كانت أداة لبناء المجتمعات أصبحت تعمل على هدمها، فمعظمها يقوم على المخدرات والجنس والانفلات الأخلاقي، وتعمل على تشويه صورة العلماء، والقضاء على القدوة في المجتمع، ومنها يتنقل الفحش إلى السوشيال ميديا، والعلاج عن طريق العودة للأعمال التي تتناسب مع ديننا الإسلامي الذي يحترم ويشجع الدراما التي تبني العقول والمجتمعات، والتي تزرع الأسس السليمة والأخلاق الحميدة في نفوس المواطنين، والبُعد عن الأعمال المستنسخة من الخارج. - يقولون إن الرياضة أخلاق ولكن الواقع غير ذلك تمامًا.. فهل هناك فعلًا علاقة بين الرياضة والأخلاق؟ لقد خصصت كتابين للرياضة والأخلاق صدر عن كل كتاب ثلاث طبعات، وهما "دعوة الإسلام إلى ممارسة الرياضة البدينة والرياضة والأخلاق"، ومازلتُ حريصًا على القول بأن القيم الأخلاقية يكتسبها المسلم سواء كان لاعبًا أو مشجعًا، من عقيدته الصحيحة وتعاليم دينه الحنيف، وبقدر ما يطبق من هذه القيم على أرض الواقع تكون الرياضة قد أدت دورها في قيادة قاطرة التنمية، فلا نستطيع بأي شكل من الأشكال الفصل بين الرياضة والأخلاق، فالرياضة من أجل الرياضة مرفوضة من قبلي، فالرياضة أخلاق. - كيف ترى تجديد الخطاب الديني؟ وما تعريفك له؟ الخطاب الديني التجديد فيه يكون من خلال الأساليب والأدوات والوسائل، ولا يتعرض إلى الثوابت، البعض يتحامل على هذه العبارة ويأخذها إلى غير مقصدها، ويتحجج بأن هناك تغييرًا في الأحكام، وهذا غير صحيح، فالأحكام ثابتة ولا تتبدل بتغيير المكان والزمان إلى يوم الدين، أما الفتاوى فقد تتغير، فقد يفتي المفتي بفتويين مختلفتين لشخصين سألا نفس السؤال، يراعي فيها مقتضى الحال، فتجديد الأساليب من شأنها تسهيل الدخول إلى قلوب الناس. - بعض المزايدين يقولون إن هناك خلافًا خفيًا بين الأزهر الشريف والبرلمان أو بعض نوابه الذين يريدون تعديل مادة تطيح بالإمام الأكبر.. كيف ترى ذلك؟ لا أعتقد أن هناك خلافًا بين الأزهر والبرلمان أو بعض نوابه، فهناك علاقة طيبة جدًا بين المؤسستين، والأغلبية العظمى من النواب يحترمون الأزهر الشريف، وإذا أن هناك أحدهم يحاول سن قوانين تخص الأزهر واستقلاليته، فأقول له الأزهر مؤسسة مستقلة عالمية لا تنتظر منك تعديلًا ولا تخوينًا ولا رأيًا، فالأزهر بعلمائه ورجاله قادر على أن يجدد نفسه بنفسه ويحافظ على عالميته، ورحم الله شوقي أمير الشعراء حين قال، "قُم في فَمِ الدُنيا وَحَيِّ الأَزهَرا = وَاِنثُر عَلى سَمعِ الزَمانِ الجَوهَرا.. وَاِجعَل مَكانَ الدُرِّ إِن فَصَّلتَهُ = في مَدحِهِ خَرَزَ السَماءِ النَيِّرا". - لماذا هناك بعض الأئمة غير مؤهلين.. هل هناك واسطة في تعيينهم.. وما مواصفات الإمام القوي؟ أعتقد، كان ذلك أيام "مبارك" أما الآن فلا يوجد، لأن هناك تشديدًا واختبارات جدية قادرة على فرز وتخريج أئمة قادرين على توصيل رسالة الإسلام بفصاحة وبلاغة، وأن يكون ملمًا بأحوال الناس والقضايا تهمهم، إضافةً إلى معرفته لعلم النفس والاجتماع. - هل دخل الإمام يكفيه لسد قوت يومه.. فهناك إمام بائع عصير وآخر قهوجي وثالث سائق توكتوك؟ أؤكد لك أن هناك على مر العصور من يريد تجويع الإمام، للتخلي عن هذه المهنة الشريفة، والرسالة العظيمة، ويترك مجال الدعوة كلية، وبالفعل يوجد أئمة ووعاظ، يعملون مهنًا مختلفة لسد حاجاتهم، وأطالب وزارة الأوقاف بإعادة النظر، في حالة الأئمة وأن توفر له ما يغنيهم عن أعمال أخرى، ويجب أن يكون دخل الإمام على الأقل متوسطًا، وعلى الوزارة أيضًا أن توفر له رعاية صحية شاملة، فلا يوجد إلا مستشفى واحد في القاهرة فقط، خاص بالأئمة ويا ليته يقوم بدوره كاملًا، فما المانع أن يكون للأئمة بكل محافظة مستشفى خاص بهم، ونادٍ اجتماعي يلتقون فيه ويتبادلون الآراء، والمناقشات، ففي هذا إفادة كبيرة للدعوة الإسلامية، ولا يضعفها، ولك أن تتخيل أن المكافأة التي يحصل عليها الإمام لا تتناسب مطلقًا مع مكانته وعلمه وشرف الرسالة التي يؤديها ويحملها على عاتقه، وعلى الرغم من كل ذلك الإمام دائمًا مطالب أن يكون مطلعًا كثير القراءة متحضرًا في لباسه ومعاملاته، ناهيك أن كل صاحب مهنة له مصادر أخرى تغنيه إلا الإمام فليس له مصدر رزق غير عمله في المسجد!!. - المشايخ الذين يطلقون على أنفسهم تنويريين.. هل هؤلاء هدفهم الحقيقي خدمة الدين أم أشياء أخرى.. ما هي؟ بغض النظر عن معنى هذا المصطلح، وأن التنوير الغربي، تنوير علماني يستبدل الدين بالعقل، ويقيم قطيعة مع التراث، فإن التنوير الإسلامي، تنوير إلهي أمدنا به الله عز وجل، من خلال القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم، أدى في النهاية إلى منهج مضيء، وغاية عظيمة، ينقلها الإمام والخطيب والعلماء، فإذن الإمام بطبعه تنويري إسلامي منهجه الكتاب والسنة، دون انحرافات فكرية، وبلا إفراط ولا تفريط، وليس بالمعنى الغربي الذي يقطع كل صله بالدين، والله تعالى يقول في سورة البقرة الآية 257، "اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ? وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ? أُولَ?ئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ? هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ"، وأخشى على من يطلقون على أنفسهم تنويريين، أن ينحرفوا وأن يجروا بعيدًا عن صحيح الدين باسم الحداثة والتنوير الغربي، بأن يغلبون العقل على الشرع، أما المقصود بالتنوير، التجديد في الأساليب والوسائل، فهذا ما أمرنا به النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في حديثه، يأتي عليكم كل مائتي عام من يجدد لكم دينكم، أما التقليد الأعمى للغرب وتحكيم العقل والأهواء بعيدًا عن الدين فهذا انحراف.