السياسة ليست لغزًا، ولا فلسفة، والحياة أعظم مدرسة سياسية، والفلاح الذى لم يذهب لمدرسة، ولم يقرأ سطرًا فى كتاب أو جريدة تسمع منه حكمًا سياسية عفوية، وكل ما يفعله السياسى المُتخصص أنه يُصيغ كلام ذلك الفلاح فى عبارات موزونة. لكن مشكلة إلهام شاهين وأمثالها أنهم ربما من كثرة الاعتياد على حفظ الأدوار وترديدها أمام الكاميرات تتكلّس لديهم ملكة التفكير والقدرة على قراءة الواقع؛ لذلك يأتى كلامهم فى السياسة أقرب إلى "العبط"، بل هو "العبط" نفسه، وربما يستعينون بصديق لتلقينهم ما يقولونه فى البرامج الحوارية، لكن آفة حارتنا النسيان كما يقول نجيب محفوظ فى رواية "أولاد حارتنا"، لذلك ينسون ما يحفظونه فيظهرون بشكل ساخر وساذج وهم يتحدّثون عن الوطن وشؤونه وشجونه. بكلامها غير الموزون ولا المفهوم الذى أطلقته فى أحد البرامج أثارت إلهام جدلاً كانت فى غنى عنه، وجاء الردّ العنيف والصريح للدكتور عبد الله بدر، الأستاذ بجامعة الأزهر، عليها ليحوّل الجدل إلى أزمة تُسيطر على الإعلام والرئاسة، علمًا بأن هناك مشاكل وأزمات أهمّ مليون مرة من إلهام وضجيجها وبروزها كرمز مُصطنع لحرية الإبداع فى مواجهة إسلاميين ظلاميين كما يقول الاستفزازيون. من الجيّد أن ينشغل الرئيس بتفاصيل ما يحدث على الساحة، ويجلس مع الفنانين والمُثقفين لكن كان عليه أن يكون حكمًا عدلاً بين الجميع بألا يُبدى انحيازًا لطرف ضد آخر، فهناك أيضًا الشيخ عبد الله بدر ومتضامنون معه، وحتى لو كان كلامه جارحًا فالأمر انتقل للقضاء، وهنا كان على الرئاسة أن تقف فى المنتصف، وألا تكون مؤثرًا ولو من دون قصد على سير العدالة، كذلك كانت هناك انتقائية فى اختيار من يجلسون مع الرئيس حيث تمّ تجاهل آخرين ممن هم أقرب إليه من حبل الوريد، ووقفوا معه ودعموه، بينما من تمت دعوتهم كانوا ضدّه فى الانتخابات ولن يرضوا عنه مهما فعل لهم، بل منهم من لم يقدّر دعوته واعتذر وتاجر فى الإعلام بهذا الاعتذار لتبدو عليه علامات شجاعة متأخّرة بينما كانوا يُقيمون حدادًا لو تمّ تجاهلهم أيام مبارك، وهذا السلوك يُعدّ إهانة للرئيس، بل واستمرارًا ل "استهيافه" حسب وصف زميلنا سليم عزوز. مرسى هو رئيس كل المصريين فنانين وغير فنانين، ومن واجبه أن يرعى الجميع، وأن يتعامل مع الجميع بانفتاح حتى المعارضين له، لكن من واجبه أيضًا ألا ينحاز، بل يقف على مسافة واحدة من الجميع، وعندما يهمل مثقفين ومفكرين ومبدعين آخرين لأنه يضمنهم إلى صفه، فما يدريه بأنهم قد يتحوّلون عنه عندما يجدونه يسترضى بكل وسيلة من ينتمون لتيارات معينة تناوئه العداء الصريح حتى وهم فى حضرته، وبعد خروجهم من عنده يواصلون تشكيكهم فى نواياه، واستعلاءهم عليه، وطرح شروطهم لإثبات مصداقيته، وكأنه سيظلّ فى امتحان يومى أمام مُعارضيه حتى يثبت العكس ويتخلّى عن جلده الفكرى والأيديولوجى والسياسى تمامًا. بدت إلهام بعد تفهم الرئيس لغضبها، وتقديره لها، وعتابه لعدم دعوتها، وتكليفه المتحدّث باسمه بالاتصال بها لترضيتها فيما يشبه التدليل - وهو يُشكر على ذلك لسعة أفقه - أنها خرجت بطلة معركة حرية الإبداع المزعومة فى مواجهة الظلاميين الذين يقفون ضد الإبداع لأن كلامها غير المسئول عن الإسلاميين المتشدّدين لم يمرّروه بالطبع، أضف إلى ذلك كونها مستفزّة بهجومها على الثورة، واستمرار دعايتها الفجّة الساذجة ل مبارك وجماعة "آسفين يا ريس" وما كان يُسمّى ب "ثورة 24 أغسطس"، ويا ليتها تمتلك منطقًا وفهمًا مثل بعض الفلول المتحدّثين الجيّدين لكنها كمن يمسك سيفًا خشبيًا ويُبارز الفراغ. أنا لست ضدّ الفن، ولا الفنانين، لكنى مع فن جادّ نظيف يحترم العقول ويُراعى طبيعة المجتمع، ويهتمّ بالقيمة والمضمون، وليس بالإثارة، والابتذال، والإفراط فى مشاهد غرف النوم، ولدينا نموذج لأفلام راقية وباسمة يقدّمها النجم أحمد حلمى لا تجرح مشاعر المشاهدة الجماعية للأسرة فى قاعات السينما، كما أننى لست ضدّ الفنانين وحديثهم فى أى شأن داخلى أو خارجى، لكن أن يكون ذلك بوعى وإدراك وليس بضحالة وجهالة كما فعلت إلهام، وقبلها هالة فاخر، وأخريات وآخرين ممن يسيئون لمستوى الفن وأهله وتاريخه فى مصر والمنطقة العربية. [email protected]