خلال أسبوع واحد، أرسلت مصر خطابين قويين إلى العالم الخارجى وصبغت بوضوح سياستها الخارجية فى المرحلة القادمة. بعد خطابه الذى ألقاه فى طهران وأثار ردود فعل دولية كبيرة، ألقى الرئيس مرسى أمس (الأربعاء) خطابا لا يقل قوة ولكن بمساحة أطول وبقضايا متشعبة فى المحيط العربى تلائم مكان الخطاب وهو هذه المرة مقر الجامعة العربية فى القاهرة. المثير فى الخطاب الأخير اللغة الواضحة جدا لمصر فيما يتعلق بسوريا والأراضى الفلسطينيةالمحتلة ومنطقة الخليج. الرسائل لا تحتمل اللبس ولا التأويل، بداية من المسألة السورية التى يؤكد مرسى أن الدماء المراقة يوميا فى أعناقنا جميعا. لابد من تحرك فورى فلا مجال للإصلاحات السياسية لنظام يترنح وينتحر ولا يرغب أن يترك سوريا وراءه تنبض بالحياة. عدد من المسئولين فى الثورة السورية اعتبر كلام مرسى بخصوص سوريا هو الأوضح الذى صدر حتى الآن من أى زعيم عربى. بالإضافة إلى الوضوح، عكس أهمية الدولة العربية الأكبر وجغرافيتها السياسية والبشرية، وكلها عوامل أهملها نظام مبارك وقزمها وسبقه السادات بالانسحاب من الدور المصرى الطبيعى والتاريخى فى العالم العربى. الخطاب المصرى الخارجى الجديد يؤكد أن سوريا ليست آخر المدى، فقد تحدث مرسى باستفاضة عن السودان الذى يحتاج إلى الدعم وعن الصومال الذى نصح دول الخليج بمنحه مساعدات أكثر، وقبلهما أعاد التأكيد على قضية العالم العربى الجوهرية المتمثلة فى فلسطين. خطاب أمس وضع النقاط فوق الحروف بالنسبة لعلاقات مصر الخارجية غير العربية، فلن تأتى أى علاقة على حساب علاقاتها بشقيقاتها العربيات، وهو هنا أشار تحديدا إلى رفض مصر المساس بأمن دول الخليج العربى ومقدراتها وسيادتها. ولأن إيران تكمن بين السطور فإنها المستهدف أساسا من تلك الرسالة، مع الحرص على القول إن هذا لا يعنى جر شكل معها ولا مع الآخرين، فدول الخليج العربى تمثل مصالح متداخلة ومشتركة بالنسبة لمصر لا يتصور أحد أن نظاما فى القاهرة مهما كان لونه يقامر بالتخلى عنها، لأن أى انتقاص من سيادة دول الخليج يؤثر طبيعيا على سيادة مصر. هكذا يقول التاريخ والجغرافيا. على دول الخليج بدورها أن تتخلى عن مخاوفها وأن تيقن أن نظام مبارك صار من الماضى المدفون الذى لا يمكن إعادته أو بث الحياة فى أطلاله، وعليها أن تتلقى قول مرسى بأن ثورة مصر خاصة بمصر، ولن يتم تصديرها. الثورات السياسية لا تصدر، فهى خاصة بحالة البلد وظروفه الاجتماعية والاقتصادية والطريقة التى حكم بها النظام السابق. إن عالما عربيا جديدا أكثر توحدا وحماية لنفسه يمكن أن ينشأ على هذه المفاهيم الجديدة التى يطرحها خطاب مرسى. عالم ليس فيه قوى كبيرة وصغيرة أو قائدة ومقودة، يدافع عن مصالحه بالفهم العميق للتحولات السياسية الجديدة. لا ينبغى مقابلة خطاب مرسى بالحط من قدر مصر والسخرية من أحوالها الاقتصادية، فقدراتها البشرية والتاريخية والجغرافية تضعها فى المكانة الأهم دائما. [email protected]