عبثًا تُحاول إقناع الإسلاميين بأن الخلافة من "الفروع/الفقهيات"، وليس من "الأصول/العقائد" وهذا ما قاله أئمة أهل السُنّة بإجماع، بمَنْ فيهم المعْتزلة والخَوارج، ولم يَجعل الإمامة من الأصول إلا الشَّيعة وحسب. الخلافة ليْست من أركان الإسلام الخمسة، ولا من أرْكان الإيمان الستة: الإيمان بالله والملائكة والكُتب والرسل واليوم الآخر والقدر.. أو من أرْكان الإحسان التي هي أن "تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك". الإسلاميون يعْرفون ذلك جيدًا، ولكنهم أحالوها في الوعي التنظيمي والحركي، بحُكم الإلحاح عليها، إلى "أصل" وكأنها من العقائد وليس من الفروع.. مُتبعين سُنّة الشيعة شبرًا بشبر وذراعًا بذراع. والحال أن عوام المسلمين لديهم أيضًا صورة وردية وحالمة ل"الخلافة" تاريخيًا.. العوام إذن لا يختلفون إلا قليلا فيما يتعلق بما استقر في ضميرهم ووعيهم عن الخلافة.. ولكنَّ ثمة فرقًا: الإسلاميون يتخذون من الخلافة أداة للدعاية والتعبئة وللحشد والتجنيد لصالح "التنظيم/الجماعة"، وليس من أجل إحياء الخلافة.. من أجل أن يتضخم "التنظيم/الجماعة" ويتوحش ويتغول اجتماعيًا وسياسيًا، وليس من أجل اختصار المسافات والطرق إلى حيث تدرك الخلافة. أما العوام، فإنهم ضحية تدريس التاريخ الإسلامي في المدارس والجامعات، لم تكن ثمَّة ممارسة نقدية لهذا التاريخ، ولكن كان التركيز على التاريخ العسكري الإسلامي (الغزوات، الفتوحات، إخضاع العالم كله عسكريًا للخليفة في عاصمة الخلافة).. المناهج قدمت الخلافة من جانب "الإبهار"، وعلى أنها "نظام الحكم" الذي جعل المسلمين "أسيادًا" للعالم.. وفي المُقابل يستحضر الطلاب بتلقائية وبالتزامن أن المسلمين بدونها باتوا "عبيدًا" للعالم، فيتوق الجميع إلى إحيائها من جديد "ثأرًا" من العالم "القمعي" و"الاستعماري" الذي أذل المسلمين واستعبدهم! الجانب المظلم من دولة "السلاطين/الخلافة"، استبعد من أي محاولة للنقد: طريقة نقل السلطة "التاريخ الدموي" لتثبيت دولة الخلافة، الاستئثار بالثروة "الخراج"، التصفية الجسدية والجماعية للمعارضة السياسية، والتنكيل والتمثيل بجثث المناوئين لسلطة "السلطان/الخليفة". خُلو المناهج من أي جهد نقدي لتجربة الممالك الإسلامية، خدمت الإسلاميين الحركيين، وقدمت لهم "المادة الخام".. أجيال من عوام المسلمين، تُؤمن بأن "الخلافة" هي الأفضل من "الدولة الوطنية".. وحرمت المسلمين من نعمة المران على النقد السياسي، والتعرف على شروط الحكم الرشيد، ونقد السلطوية والديكتاتورية، والاطلاع على أهمية التداول السلمي للسلطة، وإرادة الناخبين، وحقوق الإنسان واحترام الحريات والمعارضة والتعددية والاختلاف. وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.. [email protected]