«أنا ملحد وأفتخر.. وملحدون مصريون».. أبرز الصفحات التى تروج للفكر الإلحادى على «فيس بوك» الملحدون تجاوزوا مرحلة السرية إلى الدعوة العلنية.. و«شادى سرور» آخر المنضمين إليهم تحميل «الإسلام السياسى» ومشايخ السلفيين مسئولية الموجة الإلحادية.. وتساؤلات عن غياب دور الأزهر والكنيسة لا يخفى أن أعداد الملحدين في مصر أضحت في ازدياد خلال السنوات الأخيرة، بشكل أثار إزعاج المعنيين برصد الظاهرة حول تناميها، إلى حد أن مصر جاءت في صدارة الدول العربية في أعداد الملحدين وفقًا لتقارير أصدرتها معاهد بحثية دولية متخصصة. لكن من العسير الوصول إلى أرقام دقيقة عن أعداد الملحدين، وإن كانت دار الإفتاء المصرية قدرتهم في يناير 2014، بنحو 866 ملحدًا في مصر، في حين قدر آخرون عددهم بالآلاف. ويتخذ الملحدون من مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب" والمدونات، منصات إعلامية لهم، لأسباب عدة ربما من أهمها أنها تتيح للمستخدم خيار عدم الكشف عن تفاصيل هويته، في الوقت الذي لا تبذل فيه الجهات المعنية، وفي القلب منها الأزهر والكنيسة، جهدًا ملموسًا في مواجهة تنامي ظاهرة الملحدين. من السرية إلى العلن وعلى الرغم من الطابع السري للصفحات التي دشنها الملحدون على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن الأمر الملفت هو خروجها عن نطاق السرية إلى حد دعوة الملحدين للكشف عن أسمائهم، والبوح بمعتقدهم بعدم الإيمان بالغيب، وعدم وجود إله، دون خجل أو مواربة. وهناك "جروبات" للملحدين تحمل شعار: "أنا ملحد" و"أنا ملحد وأفتخر"، ومع انتشار الفكر الإلحادي بين الشباب في العديد من الدول العربية، تجاوزت هذه الصفحات فكرة حدود الدول لتصبح فضاءً واسعًا يضم الملحدين من الدول العربية المختلفة. وإن كانت صفحة "ملحدون مصريون" هي الأشهر، والتي تضمن العديد من الكتابات عن الإلحاد والنقد فى الأديان والحديث عن أوضاع وحقوق الملحدين فى مصر. وعلى "تويتر"، يتراوح عدد متابعي الحسابات التي يعلن أصحابها عن إلحادهم الآلاف، ومن بينها حساب "أراب أثيست"، ويتنوع محتوى النقاشات التي يجريها أصحاب هذه الحسابات، فبعضهم يقول إنهم يريدون "هدم خرافات الدين باستخدام العقل"، والبعض الآخر ينشر على حسابه تعليقات وصورًا مضادة للإسلام مثل صور لنسخ للقرآن الكريم ممزقة. بعض هؤلاء يقول إنه هدفه إعمال العقل ونشر العلم وهناك من يقول إن تغريداته موجهة للأتباع الملحدين. وهناك من يصف نفسه بأنه "كافر وملحد" وينشر مشاركات تدعي "بأن الخطاب الإسلامي يشجع على العنف ضد الديانات الأخرى". وعلى "يوتيوب"، أنشأ بعض الملحدين العرب العديد من القنوات التي تجذب آلاف المشتركين. وغالبًا ما ينشر أصحاب هذه القنوات مقاطع فيديو ضد الدين الإسلامي تحمل عناوين مثل: "خرافات الدين". وفي مكان آخر على شبكة الإنترنت، أطلق بعض الشباب العربي قناة تلفزيونية على الإنترنت تسمى "العقل الحر". ويعرف موقع "تلفزيون "العقل الحر" على الإنترنت بنفسه على أنه "إحدى وسائل الإعلام العلمانية عبر الإنترنت التي تهدف إلى تقديم أخبار بعيدة من هيمنة الرقابة الدينية والحكومية إلى شعوب الشرق الأوسط والعالم". الإلحاد في معرض الكتاب وقد سجل معرض القاهرة الدولي للكتاب في نسخته الأخيرة، ظاهرة وصفها زوار المعرض بغير المسبوقة، من خلال عرض العديد من الكتب عن الإلحاد من والصادمة للقيم المجتمعية والعادات والتقاليد، أو للشرائع والعقائد السماوية، في كتابات أقحموها تحت صنوف أدبية مثل: "مطرقة البرهان وزجاج الإلحاد" و"أين يسكن الله"، و"شقة الجابرية". العنف والتطرف على الرغم من أن العديد من الأسباب التي دفعت بعض العرب إلى التخلي عن الدين مماثلة لتلك التي يذكرها الملحدون في أي مكان آخر في العالم، فإن هناك أسبابًا أخرى يمكن أن تتسق مع السياق السياسي في العالم العربي، منها أن العنف الذي تمارسه بعض الجماعات الإسلامية المتشددة قد دفع بعض الناس إلى التشكيك في مبادئ الإسلام. وقد تحدثت دار الإفتاء المصرية عن هذا السبب على وجه الخصوص، إذ اعتبرت أن "الممارسات العنيفة للإرهابيين والتشدد لدى بعض الجماعات الإسلامية سبب انتشار الإلحاد في بعض البلدان العربية". وأضافت أن "أبرز الأسباب التي تدفع الشباب إلى الإلحاد هي ممارسات الجماعات الإرهابية التكفيرية التي تنتهج الوحشية والترهيب والذبح باسم الإسلام والتي صدرت مفهوماً مشوهاً لتعاليم الدين، ورسخت صورة وحشية قاتمة له، مما نفر عدداً من الشباب من الإسلام ودفعهم إلى الإلحاد". كما أن تغلغل "الإسلام السياسي" في الحياة الخاصة والعامة يمكن أن يكون سببا آخر لردة الفعل ضد الدين. مواقع التواصل وبحسب دار الإفتاء المصرية، فإن "مواقع التواصل الاجتماعي المتعددة وفرت لهؤلاء الشباب المغرر بهم مساحات كبيرة من الحرية أكثر أمانًا لهم للتعبير عن آرائهم ووجهة نظرهم في رفض الدين، بعيدًا عن التابوهات التى تخلقها الأعراف الدينية والاجتماعية". وفى يونيو 2015، أطلقت وزارة الشباب بالتعاون مع مؤسسة الأزهر مبادرة لمواجهة "التطرف والإلحاد". وقال الشيخ أحمد تركي- أحد منسقي المبادرة – وقتذاك، إن المبادرة تهدف إلى "تسليح الشباب بالحجج العلمية في وجه الادعاءات الإلحادية". وتفجر الجدل حول موضوع الإلحاد خلال الآونة الأخيرة مع إعلان الفنان الكوميدى شادى سرور مؤخرًا خروجه من الإسلام، معللاً ذلك بأ "جحود قلوب الناس وتعرضه للألم النفسى"، قبل أن يتراجع لاحقًا عن إلحاده، ويقول إنه أكثر إيمانًا بالله من كثير ممن يدعون أنهم مؤمنون. وأخذت قضية الإلحاد حيزًا من الاهتمام الإعلامي والنقاش على محطات التلفزيون العربية، من خلال استضافة بعض البرامج لأول مرة ملحدين جنبًا إلى جنب مع دعاة مسلمين. وعادة ما يسأل المذيع الملحدين عن أسباب تخليهم عن الإسلام في حين يُرجع الدعاة السبب إلى مشاكل شخصية أو إلى المراهقة. حرب مضادة فى المقابل ظهرت عشرات الصفحات المضادة، سواء إسلامية أو مسيحية، لتعلن الحرب على هؤلاء الملحدين. ويقول الدكتور إبراهيم عبدالشافي، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر وعميد كلية الدراسات الإسلامية السابق، إن الإلحاد ليس وليد اليوم، والإلحاد يعنى عدم الاعتراف بوجود الله سبحانه وتعالى. وأضاف أن "الإلحاد غير الكفر، لأن الكافر يعترف بوجود الله، لكنه ينكر الشريعة، وينكر الاعتراف بأن الله هو الذى نظم الحياة، لكنه يعترف بخلق السماوات والأرض كما فى قوله تعالى "وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ"، فهذا منطق الكفار أما منطق الملحد فلا يعترف بوجود الله، وهم ينقسمون إلى عدة فرق أهمها الداهرية أو القديم وهم لا يعترفون بوجود الله. وعن أسباب انحراف البعض للإلحاد، قال عبدالشافي: "لعل السبب الآخر يكمن فى أن الكثير من فاقدى الهوية الأدبية قرروا اقتحام المجال، ولم يجدوا وسيلة لجذب جمهور الشباب سوى غوايتهم والتلاعب بمشاعر الغريزة والإغراء". مشايخ السلفية من جانبه، قال الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية والفقه المقارن بجامعة الأزهر، إن "هناك خللاً فى الدعوة، والتوعية السليمة عن مجتمعاتنا، وهناك حكمة عظيمة تقول: "لا يفتخر الناس بكثرة العقاقير ولكن بجودة التدابير"، متسائلاً: هل توجد بالمؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية مراكز تخصصية لمعالجات الإلحاد؟". وأضاف ل"المصريون"، أنه "يجب إنشاء مراكز تخصصية بالمؤسسات الدينية والاستعانة بعلماء فيزياء الفضاء والكون، لأن "معظم الملحدين يتحدثون حول نشأة الكون، والصراعات الفكرية بين السنة والشيعة والمتصوفة والسلفية، تنعكس بالسلب على حساب الدين، ويسأل عنها هم من يسمون أنفسهم مشايخ وعلماء". وأشار أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر إلى أن "مشايخ السلفية هم من يتحملون ذلك، لأنهم يحرمون ما أحله الله من خلال فتاواهم بشأن تحريم أعياد الميلاد والاحتفال بالمولد النبوى وشم النسيم والفنون من رسم وتصوير، لأن الناس ظنوا من فتاواهم أن الدين يعاند الحياة".