جمال سلطان حسنا فعلت الكنيسة الأرثوذكسية عندما أصدرت بيانا أول أمس يأسف فيه لأي تجريح أو مساس بالدين الإسلامي ، في إشارة إلى الأحداث المؤسفة المتعلقة بشريط المسرحية المثيرة للجدل ، البيان الذي وقعه مجلس كهنة الكنيسة والقمص "شاروبين باخومي" وكيل البطريركية بالإسكندرية جاء متوازنا وعاقلا ، وتميز بقدر كبير من الإحساس بالمسؤولية ، ولذلك من الهم الإشادة به وبمن وقعوه ، رغم أنه أتى متأخرا ، إلا أنه في النهاية أتى ، قيمة البيان أنه يأتي في أجواء تصعيد مثير من بعض المتطرفين الأقباط ، وكأن كل حريق يقع في مصر يمثل يوم عيد لهم ، سواء في الداخل أو الخارج ، وأقباط المهجر بالفعل على درجة عالية من الهوس والسطحية ، وعندما تطلع على بعض ما يكتبونه وهو أمر لا يطاق لغة وأفكارا إلا كل عدة أشهر ، تتصور على الفور أنهم يتحدثون عن مذابح الهوتو والتوتسي مثلا ، أو حرب البوسنة والهرسك ، لهم طاقة مدهشة على الكذب وصناعة الأوهام ، ولكن للأمانة ليست المشكلة محصورة في أقباط المهجر ، وإنما هناك حالة من التطرف الديني اتسع نطاقها في الداخل ، ويقودها ويحركها بعض رجال الدين الشباب ويحاولون التأثير على الأجيال الجديدة من الشباب القبطي وإدخالهم في دوائر مغلقة من العدمية الاجتماعية التي تتقوقع داخل الإطار الكنسي فكرا وسلوكا وسياسة وهوية ، ولذلك تجد الخطاب الخارج من هناك شديد التناقض ، لأنه ليس وليد النور والمناخات المفتوحة والمكاشفة ، وإنما الأقبية المظلمة والانعزالية والعدمية الاجتماعية ، تأمل مثلا المطالب المتزايدة بحذف خانة الديانة من بطاقات الهوية ، وقارنه بعمليات إثبات خانة الديانة على الأكف والمعاصم والأجساد بصورة متعاظمة ومتسعة في الجيل الجديد بشكل لافت جدا للنظر ، ولا بأس أن يعتد الإنسان بدينه أيا كان ، ولكن الملاحظة جديرة بالتأمل ، إذا كنت حريصا على التميز وإثبات هويتك الدينية على لحمك الحي ، فما معنى أن تطالب بإزالة الهوية من البطاقة الشخصية مثلا ، وأمور أخرى عديدة على نفس الوتيرة ، هناك مشكلة حقيقية في الجيل الجديد من الأقباط تحتاج إلى حكمة وترو وسعة صدر وأفق لكي يتم استيعابها والتعامل معها وتفكيك هواجسها وإخراجها من أقبية الكنائس إلى ساحات الفعل السياسي والاجتماعي العام ، بدون أي شك فإن النظام السياسي الحالي مسؤول أساسي عن هذه العدمية الاجتماعية والسياسية لدى الجيل القبطي الجديد ، وهي عدمية سياسية امتدت أيضا إلى قطاعات من الشباب الإسلامي الذي انعدمت أمامه فرصة المشاركة السياسية الحرة وغاب عنه الشعور بالأمان الاجتماعي والسياسي والديني ، فانخرط في تيارات سرية منغلقة انتهت إلى العنف بشكل طبيعي ومتوقع ، الانغلاق السياسي الذي فرضه الحزب الحاكم على مصر طوال العقود الماضية مسؤول رئيسي عن هذه الظواهر ، ولذلك من المهم لأية مشروعات إصلاحية جديدة وجادة أن تتعامل مع جذر الأزمة وستجد من مفكرين ورموز قبطية مستنيرة تواصلا مهما وتفهما وانفتاحا يمكن أن يمثل جسرا لحل معضلة العدمية الاجتماعية عند الجيل الجديد من الأقباط . [email protected]