الحديث عن الطائفية في سوريا والتى أظهرت ثورة مارس 2011م اقبح وجوهها.. يختلف بدرجة كبيرة عن الحديث عن الطائفية في أى بلد أخر في المشرق العربى .أنت أمام طائفة دينية تعدادها 3مليون(10% من الشعب السورى) تخطط من عشرينات القرن الماضى للاستيلاء على السلطة ومواضع القوة في الجيش والدولة ونجحت في تحقيق هذا الهدف في ستينيات القرن نفسه( 1963م ) بعد كثير من التلاعبات والخداعات القومية والبعثية والناصرية وتأسيس تنظيم سرى في الجيش (اللجنة العسكرية)واكتمل النجاح كمالا كميلا عام 1970م بعد انقلاب حافظ الأسد(وزير الدفاع)على الرئيس الأتاسي ..بعدها بشهور نصب نفسه رئيسا للجمهورية .ليكون بذلك أول علوي يتجرأ على ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية بينما اكتفى محمد عمران وصلاح جديد( رفقاء الطائفة العلوية الذين مثلوا أدوارا قومية ملتهبة على عفلق والبيطار والحورانى الزعماء التاريخيين للبعث القومى العربى) اكتفوا بالوقوف خلف رئيس سني للدولة. الأسد كان لديه مشروع واضح لنفسه كديكتاتور تدعمه طائفته الدينية..هو يخدمها بأن يجعلها (كريمة المجتمع) وهم يخدموه في أن يستمتع استمتاعا متيعا بشهوة الحكم الفردى الأبدى فائق المتعة واللذة..الزمن التاريخى في المنطقة العربية كان ملئ بنموذج الحكم (الديكتاتورى الفردى فائق المتعة) عراق صدام وجزائربوميدين وقذافى ليبيا وكلهم أجمعين كانوا مريدين في مشيخة الزعيم الخالد. لكن كيف ومتى قررعسكر الطائفة العلوية الاستيلاء على السلطة كلها؟ تقول الحكاية أنه بعد بعد انقلاب 1963 وجد عسكر الطائفة العلوية( الثلاثى جديد وعمران والأسد)أنهم لم يعودوا بحاجة إلى وصاية قيادة الحزب المدنية عليهم فقاموا بتصفية شركائهم بضرب الناصريين بالمستقلين بالقوميين بينما كانوا هم وضباطهم يحكمون السيطرة على القطاعات العسكرية المدرعة القادرة على الحسم. بعد أن أكتشف عفلق المشروع الطائفى القبيح للاستيلاء على السلطة وأنه أٌستخدم هو ورفاقه استخداما خديما حاول عقد المؤتمرات الحزبية للبعث لضبط الأمور. وفي آخر هذه المؤتمرات طلبت القيادة القومية لحزب البعث من(اللجنة العسكرية) تقديم أسماء أعضائها وسحب العسكر من السياسة وتحييد الجيش لكن الوقت كان قد فات. رفض صلاح جديد وحافظ الأسد تنفيذ مطالب الحزب وكشرا عن أنيابهما الطائفية للاستيلاء على السلطة بالقيام بانقلاب 1966.وسيطرت الطائفة على الجيش والحزب والسلطة بالقوة دون أن يعي الشعب السوري شيئا من كل ذلك ..سيرتكب صلاح جديد خطأ يكلفه كل حياته فيتفرغ لبناء الحزب ويترك لشريكه ورفيقه حافظ الأسد الجيش (وزيرا للدفاع) وسيفهم متأخرا أن الأسد رتب أموره الداخلية مع قيادات ومشايخ الطائفة لعزله فحاول استخدام هزيمة 1967 وفضح الأسد في اتصالاته بأمريكا وإسرائيل ثم التدخل في أحداث الأردن (أيلول الأسود/1969) لكنه فشل.. ليقوم بعدها الأسد(1970)بأسهل انقلاب في تاريخ سوريا.. انقلاب نفذته الشرطة العسكرية !! التى اعتقلت صلاح جديد وأعضاء الحكومة وقادة الحزب بمنتهى السهولة السهيلة ويسجن صلاح جديد 23 عاما حتى الموت. المؤرخ الكبير د/ بشير نافع يؤكد في دراساته عن هذه الفترة في سوريا أن الأسد لم يجرؤ على ذلك إلا بعد موافقة (الطائفة). كان الدستور السوري ينص على أن دين رئيس الدولة الإسلام ولا يحدد الدستور طائفة الرئيس الإسلامية ولكن الرئيس كان دائماً سنيا فسرب الأسد لحزب البعث والأحزاب غير الإسلامية القومية واليسارية عن نيته لتغيير الدستور لحذف فقرة دين رئيس الدولة من الدستور كاتجاه علماني!..هكذا تبدأ كل الهواكذ ..الرجل يتحدث بعلمانية متجاوزة للطائفية والمذهبية والدينية ..فى الوقت الذى كان يتم فيه تسليم الطائفة كل مفاصل الدولة يتم على قدم وساق..وذراع..وأنف..وثلاث عيون أيضا..!!وحدثت أزمة الدستور الشهيرة وكانت مدينة حماه هى صاحبة الصوت الأعلى وقال علماؤها له صراحة _ للأسد _أنت لا تصلح رئيسا للدولة..وكالعادة وكما يحدث دائما حدثت مساومة غير معلنة :النظام يبقي على فقرة دين رئيس الدولة في الدستور الجديد مقابل القبول بأن يكون رئيس الدولة(علويا)وكان الشيخ عبد الستار السيد و الشيخ كفتارو أساتذة اللعبة ..لم يوافقوا فقط على الرئيس العلوى بل وافقوا أيضاً على سيطرة عائلة الرئيس نفسها ومهدوا أيضا لفكرة التوريث(باسل ثم بشار). وبدأت(الديكتاتورية فائقة اللذة والمتعة)بطريقة عبادة الشخصية _الزعيم_على طريقة ماو في الصين وشاوشيسكو في رومانيا وكوريا.. الخ وقضى الديكتاتور تماما على المجتمع المدني والسياسة وأشاع الفساد وحول الدولة السورية إلى دولة فاشلة يحكمها نظام أمني قبيح وتلاعب بكل مكونات المجتمع السوري المتنوعة لصالح بقائه واستمراره فقط. لم يسمح الأسد أبداً بتشكيل أي تمثيل تنظيمي للطائفة العلوية ولا حتى مراجع دينية عليا ليس بسبب العروبة والعلمانية التي يدعيها بل لربط الطائفة به وبعائلته وعائلة زوجته(عائلة مخلوف)بل وشجع الانقسام العشائري داخل الطائفة..وقام بتهجيرهم من الريف إلى المدن ليعيشوا براتب كوظيفة مدنية أو عسكرية..ليحكم قبضته عليهم . سيذهب الأب ويأتي الابن عام 2000 م . استطاع حافظ الأسد توفير وتحقيق الرفاهية للعلويين، لكنه على الجانب الآخر قمع القيادات الدينية والعشائرية الأخرى واستبدل الهوية العلوية بنظريته في عبادة الدولة( أنا الدولة). بعض العشائر العلوية تكره أسرة الأسد ويتهموهم بأنهم يمثلون أسوأ الأمثلة في التاريخ على نكران النعمة. سنعلم أن الثورة السورية بدأت سلمية من عام 2011 وتظاهرت خلالها كافة مكونات المجتمع_بمشاركة من بعض العلويين_ ضد نظام ديكتاتورى فاسد. لكنها آلت في النهاية إلى مجازر و دماء على أساس طائفي نتيجة لدخول إيران وظهور أو (استدعاء)المتطرفين في صفوف المعارضة . (ونكمل )