يسألونك عن الفارق بين حكامنا، والحكام الديموقراطيين، فقل إن الحاكم الديموقراطي يري نفسه واحداً من الشعب له ما لهم، وعليه ما عليهم، أما حاكمنا فيري نفسه واحداً فوق الشعب، له ما يريد، وعلينا ما يريد! ويسألونك عن الطريقة التي يصعد بها الحاكم الديموقراطي إلى سدة الحكم فقل الحاكم الديموقراطي لا يأتي إلا عن طريق انتخابات نزيهة يحصل فيها الحاكم علي أغلبية الأصوات، أما حكامنا فلا يقبل الواحد منهم إلا أن يحكمنا عن طريق الاستفتاءات المزورة أو الانتخابات التي هي بنت عم الاستفتاءات وفي كلٍ يحصل علي نسبة لا تقل عن مئة في المئة من أصوات الشعب إلا بقليل الذي هو استثناء ليثبت قاعدة الولاء المطلق لسيد البلاد، فحكامنا لا يأتون إلى الحكم إلا عن طريق إجماع الشعب كله خاصة الميتين منهم! ويسألونك عن حزب الحاكم الديموقراطي وحزب الرئيس فقل لا فرق غير أن الحزب يشبه رئيسه، وشعار كل القادة هو نفسه شعار الرئيس الانتخابي( يا فيها يا اخفيها)، فإن لم تشملهم القائمة الانتخابية خرجوا على الحزب ونافسوه على المقاعد البرلمانية، وإن كانوا ممن أظلتهم قائمة الحزب ولو بالرشاوي فهم أكثر المستمسكين بالحزب وبمبادئه التي هي مصلحتك أولاً، وأنت ومن بعدك الطوفان! ويسألونك عن الفارق بين الانتخابات البرلمانية في بلادنا وغيرها في أمم العالم المتمدنة، فقل الفارق كبير ولا تصلح لسرده مجلدات، ولكنك لن تجد عندهم محمد كمال! ويستفتونك في نظرة حكامنا لشعوبهم، فقل حكامنا يعاملوننا علي أساس أننا شعب متخلف، لم ينضج بعد لكي يجرب بنفسه طريق الحرية، ويرون أن مقاس الديمقراطية واسع علينا، لا يصلح لنا ولا نصلح له، ويستكثرون علينا أن نحكم أنفسنا، ويفضلون لنا سياسة "الجرعات الديمقراطية" التي تتناسب مع درجة تخلفنا التي لهم وحدهم الحق في الحكم عليها، وتقدير ما إذا كنا نصلح لديمقراطية نص نص، أم ديمقراطية بالتدريج الممل! واذكر إن حكامنا لا يريدون أن يدس الشعب أنفه فيما لا يعنيه من شئون حكم نفسه، أو أن يتجرأ فيطالب الشعب بأن يكون له حق اختيار حكامه عن طريق الانتخاب الحر المباشر! ويسألونك عن الفارق بيننا وبين الشعوب الأخرى فقل إننا سكتنا سبعة آلاف سنة علي حكامنا يفعلون بنا ما يريدون، أما الشعوب الأخرى فهي تسكت دورة أو دورتين، وبعدها تحاسب الحاكم ثم تجبره علي أن يترك الحكم لغيره إذا رأت ذلك، لا تمسك في يدها غير صندوق زجاجي تضع فيه أصواتها التي ترفع وتخفض، تؤتي الحكم لمن تشاء، وتنزعه ممن تشاء! الفارق بيننا وبين الشعوب الأخرى أننا نري أن الذي نعرفه أحسن ممن لا نعرفه، وهم يرون أن يجربوا الذي لا يعرفونه بعدما تأكدوا أن من يعرفونه لم يفعل لهم ما يريدون! الشعوب الأخرى زمامها في يدها، أما نحن فزمامنا في أيدي حكامنا، وحكامنا يعاملوننا علي أساس أننا غير جديرين بأن نختار بأنفسنا حاكمنا الذي نريد، ولا يرون أننا شعب يستأهل أن تكون له الكلمة العليا في اختيار حكامه، ويرون أنفسهم أعلي شأناً من أن يقوم شعب مثلنا بانتخابهم! هم لا يريدون أن يتعب الشعب نفسه، أو أن يدخل في تجربة انتخابات شاقة وطويلة، فتجدهم حريصين على أن يسهلوا المهمة لشعوبهم، فيختارون أنفسهم لحكمنا، ولا يتركونا إلا وقد اختاروا من يحكمنا من بعدهم، وهي أصالة وبعد نظر لا تجدوهما في الحاكم الديموقراطي! ويسألونك عن حال الحاكم الديموقراطي فقل هو يمرض، وتظهر عليه الشيخوخة، أو يعتزل أو لا يحصل علي الأغلبية التي تكفل له الاستمرار في الحكم، أو يموت، أما حكامنا فالعهد بهم أنهم لا يمرضون، ولا يظهر أي أثر للشيخوخة عليهم، ولا يعتزلون الحكم إلا بحضور ملك الموت، وإن لم يبق معهم من الشعب غير جنود الأمن المركزي، وفلول الحزب الوطني! ويسألونك عن الفارق بين أبناء الحكام الديموقراطيين وأبناء حكامنا فقل إن أبناء الحكام الديموقراطيين لا يطمعون في غير أن يكمل آباءهم دورتهم على خير، أما نحن فلا يكبر لحكامنا ولد إلا ويطمع في أن يرث أبيه فينا، باعتبارنا بعض تركة من خلفوه! يسألونك عن الفارق بين حكامنا وحكامهم فقل :حكامكم بشر عاديون، أما حكامنا فآلهة أو ملهمون!