1-الشريعة المظلومة من مؤيدها و معارضيها كان لى أحد الزملاء من الأخوة الاقباط تلازمت معه كل سنوات الدراسة الجامعية و كان بحق نعم الزميل فكان هو الوحيد من الزملاء فى المجموعة الصغيرة الذى يراعى إلتزامى الدينى و تخرجا سويا من الجامعة بنفس التقدير و عندما قدمت موعد تجنيدى وجدته معى فى نفس الدفعة ليس فقط بل ايضا فى كلية الضباط الأحتياط و فى خلال تقلبى فى البلاد بحثا عن الرزق وجدته معى فى كل بلد ذهبته إما سبقنى أو لحقنى حتى أدركت أن تلازمنا قدر و هو حال مصرنا فتلازم المسيحيين و المسلمين فيها قدر حتى يعود سيدنا عيسى عليه السلام إلى الارض فيصطف خلفه المؤمنون لمحاربة الضلال و على رأسه المسيخ الدجال (أوضد المسيح كما عند الأقباط) فواهم من يظن أن مصر سوف تخلوا يوما من المسيحيين و أشد منه وهما من يظن أن مسلمو مصر سوف يتخلون عن دينهم و دليلى فى ذلك قوله تعالى (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) من أجل هذا لابد أن ندرك جميعا أن التوافق و التعايش هو السبيل الوحيد لبقاء الوطن و هذا يستلزم قدراً من المصارحة خصوصا بعد الأحداث الأخيرة و إزدياد طرح تطبيق الشريعة الإسلامية أكتب مشاركتى و لست متخصصا فى مقالين أولهما أفرده لتصحيح مفاهيم (من وجهة نظرى) و موعدى معكم فى أخر لنتحدث عن مخاوف كلا الطرفين من الاخر. أوجز ما أريده فى الأمر الأول فى النقاط التالية: 1- ما هو مُحرّم فى الإسلام هو مُحرّم فى المسيحية بل أن الباحث سيجد أن العقوبات متماثلة سواء عللنا ذلك بوحدة المشرّع (كما فى عقيدتنا) و هو الله سبحانه و تعالى أو كما يظن بعض المسيحيين أن سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام نقل عن شريعتهم فالنتيجة أن المسيحى المصرى (وهو من أشد المسيحيين تمسكاُ بتعاليم دينه) لن يسْرّه أن ينتصر متطرفوا العلمانيين فى تقنيين العلاقات غير السوية فى الزواج عبر دروب ظواهرها ديموقراطية كما لن يسمح أن يتجول السكارى فى شوارعنا مطمئنين من العواقب. 2- أن من عصى الله فى سِرّه وَجب سَترُه (و ذلك فيما لا يمس حقوق العباد) و لا أعلم خلافاً بين العلماء فى ذلك إنما العقوبة تكون للمجاهر بالمعصية و أشد منه الداعى إليها أما الحديث عن التفتيش عن الضمائر و كشف المستور فهو ليس إلا جزءأً من حملة الإسلاموفوبيا و يقابل ذلك أُناس إختلط عليهم نُصرة الدين بحرمة الفرد فى الشريعة. و أضرب مثالأَ لتطبيق ذلك أتصور أن لن تمنع الخمور (فقد كانت موجودة فى معظم تاريخ الأمة الإسلامية) و لكن سيقنن بيعها و هو شئ معروف فى أكثر الدول تحرراً (حيث يتحدد بيعها بسن المشترى و وقت البيع) كما يُجرّم السكر البين فى الطرقات و ذلك موجود بالفعل فى القانون الفرنسى المطبق حاليا و ليس بغريب عن التشريعات فى العالم الحر 3- أن من يفتى لشخص ووجد فيه قوة جاز أن ينصحه بالعزم و الأجر للمُستفتى أما من يُشرّع لأُمة لَزٍمه أن يراعى إختلاف العلماء ولله در الأمام الشافعى حين قال (إنما الفقه رُخصةَ عن علم أمّا التشدد فيتقنه كل أحد) و نتاج هذا أن الشريعة تكون بمثابة سياج على المحرمات و غالب الأمر أنها سوف تقترب من حدود ما هو قطعى الثبوت و الدلالة و كل ما داخل هذه السياج هو المباح إما الحديث عن أن لكل شئ فى الحياة الدنيوية له وجه إسلامى و أخر غير إسلامى فلا أرى ردا عليه أبلغ من قول المصطفى عليه أفضل صلوات الله و تسليماته فى حادثة تلقيح النخل (أنتم أعلم منى بشئون دنياكم) و الحادثة معروفة و الزيادة المذكورة آنفا و ان كانت شاذة (و هى ما تُفرّد به أحد الرواة خلافاَ للرواية المحفوظة) لكن معناها متسق مع المتن الصحيح و مدلول ذلك أن ما يختص الدنيا من علم و تقنيات يتحد فيها الناس على إختلاف عقائدهم و لا تُنسب إلى طائفة فانا لا ارى مناسبة للحديث عن نظام رى إسلامى مقابل أخر لا إسلامى (على نسق ما أشتهر من قول لأحد الدعاة حديثا) لكن يجوز التحدث عن ثوابت للأمة لا يتخطاها الجميع حتى لا يخالف الشرع مثل تقيد البحوث الطبية حتى تراعى حرمات الأنساب و هذا ايضا يلقى قبولا من المتدينين من قطبى الأمة المسلم و المسيحية 4- إن المراد من تطبيق الشريعة هو إلا نحرّم ما أحل الله و لا نحلل ما حرم و نية المشرِّع (إن إستحضر لك وقت دباجة النصوص) قد تجعل كثيرا من نصوص القانون الحالى مطابقا للشريعة و قد تربينا أن تغيير النية كاف أن يجعل من الأشياء الإعتيادية أموراً تعبُدية أما حصرالشريعة فى الحدود فهو نوع من التجنى سواء عن جهل أو سوء قصد فغالب الحدود منوط تطبيقها بضوابط حال بين تفعليها على مدى العصور (إلا بإعتراف) و ما دون ذلك يشملّه قول المصطفى عليه السلام (إدرؤوا الحدود بالشبهات) فجاز للحاكم وقتها تطيبق عقوبة تعزرية (و السجن و الغرامة احد صورها) و إن كان من العلماء من ذهب لجواز ذلك حتى مع وجود الضوابط. 5- إن النصوص التى إشتهرت إدبان تأسيس الدولة الإسلامية الوليدة كان المقصود منها بيان العزة و القوة للمسلمين فى المدينة و إعلام اليهود بذلك لكن استدعائها الآن بعدما إستقر الإسلام فى النفوس و أطمئنت له القلوب هو من الشدة فى غير موضعها و يقابل ذلك إحياء أحكام إشتهر بها أحد الفاطميين ( و كان له من الأحكام الشاذة مما جعل إسمه يضرب به الأمثال حتى انه حرم احد الاكلات الشعبية الآن على العامة) و ضرب الأمثال بها و من نشأ عنها (مثل العضمة الزرقا) على تعنّت المسلمين مع غيرهم هو من التجنى فمعلوم أن أن الفاطميين لا يمثلون السنة و هم غالبية مسلمو مصر و غنىّ عن الذكر شذوذ أفكار هذا الحاكم و أحكامه 6- إنه من فضل القوم أن نقول أن الشريعة تقضى بأن غير المسلمين يحتكمون لشرائعهم فيما يخصهم فى الأحوال الشخصية و هذا الأمر مستقر عند العامة و الخاصة على مدى العصور لا شك فيه لكن الإشكالية تنشأ عند إختلاف الطوائف فعندها يحتكم المتخاصمين للقانون السائد (و كان هذا هو منفذ لضعاف النفوس للإلتفاف على إحكام شرائعهم بتغيير الطائفة) حتى يتم إنجاز القانون الموحد للطوائف المسيحية و ذلك لا شأن للمسلمين به من القريب أو بعيد و أرجو من جميعهم التعفف عن الخوض فيه كما تمنيت ألا يخوض أحد فى شأن القضية المرفوعة ضد الكنيسة للسماح بزواج بعض الأفراد للمرة الثانية فانا ارى ان لا سلطان على الكنيسة فى ذلك و من هلل لحكم المحكمة الإدراية عليه أن يتقبل أحكام القضاة فى تونس بتعطيل بعض نصوص الشريعة بدعوى عدم مطابقتها للمساوة بين الجنسين و غاية ما يمكن أن تقدمه الدولة المدنية (التى ننشدها جميعا مسلمون و مسيحيون) أن تقدم البديل فإن ارتضى طرفان الزواج و ارادا إشهار علاقتهما لصون السمعة و ضمان الحقوق وجب على الدولة أن تعترف بالزواج المدنى لكن لا سلطان لها لتجبر الكنسية على مباركته أو إلغاء ما يتربت على ذلك من أحكام وفقنا لشريعتهم و لا أترك هذه النقطة حتى أقول يجب أن ينتبه المسلمون أن الجالس على الكرسى الرسولى عند الاقباط يمثل بالنسبة لهم حلقة من حلقات إتصال السماء بالأرض فشأنه عندهم ليس كشأن علمائنا لدينا (الذين يُأخذ من اقولهم و يُرد) فإكراما لهم وجب التأدب مع شخصه لا يمنعنا ذلك من معارضة سياسته إن تعارضت مع مصلحة الوطن و لا يمنحه ذلك وضعا فوق القانون إن ارتكب ما يخالفه 7- أغلب الظن عندى (و لست عالماً) أنّا لا نتعبّد بإستخدام المسميات القرآنية (مثل بكة و فوم و قثاء) فمعظمها ورد مطابقاً لما كان شاثعا وقتها إنما التعبد بالتلاوة و التدبّر و العلم بمقتضاه فالتغنى بقول النصارى و هو ما لا يحبه مسيحو مصر أن يطلق عليهم يضاده الامر بالبر و الإقساط إليهم و منه تسميهم بأحب الأسماء إليهم و يقابل ذلك المبالغة فى كراهية ذلك الإسم إنطلاقاً من علم منقوص أو مدسوس أن التسمية كانت لنصارى نجران (ويعتقد المسيحيون أنهم كانوا يهود او على الأقل ليسوا منهم) و لكنى أظنها كانت تيمنا بالآية الكريمة (أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ) فهم من نصروا المسيح علية السلام فهو لفظ للتكريم و ليس لتقليل الشأن. أتمنى أن تكون النقاط التى ذكرتها نقاط إتفاق و لقائنا فى المقال الأخر أن سمحت إدارة الجريدة بنشره