مشكلة التيارات السياسية المصرية الليبرالية والعلمانية تحديدًا أنهم قبل وبعد الثورة لم يقتنعوا بأن وجودهم فى الشارع المصرى كان ضعيفاً أو كاد يكون معدوماً، ومع كل ذلك واصلوا وتواصلوا عبر إعلامهم المساند لهم بقوة بأنهم الأفضل..!، واقتنعوا أنهم كانوا أولى وأحق بأن يحكموا هذا البلد، أكثر من أى فصيل سياسى آخر خاصة الإخوان المسلمين، وهو الطرف الذى كان له وجوده القوى رغم الحظر الذى فرضه النظام السابق على الجماعة، فجاءت الانتخابات التشريعية لتكشف عن قوة وقيمة كل تيار وتحدد على أى أرض يقف، ومن بعدها دخلت الانتخابات الرئاسية والتى شهدت هزيمة مرشحهم الأوحد، ومع ذلك لا يعترف هؤلاء بأنهم أمام حقيقة ماثلة بصعود تيار سياسى آخر عبر بوابة الشعب، وبدلا من المشاركة الحقيقية فى دفع عجلة المسيرة لحقبة جديدة فى تاريخ مصر، ومساندة من تولوا قيادة الدفة، بالممارسة الديمقراطية الحقيقية، التى كثيراً ما نادوا بها، تركوا كل ذلك وتفرغوا فقط للهجوم، والعزف على وتر (أسلمة الدولة)، والذى لم يجد آذانا صاغية من قبل الشعب، ليعزفوا على الوتر الأكثر حساسية من وجهة نظرهم ب(أخونة الدولة) باستيلاء فصيل على ربوع المحروسة واحتلالها وتقطيع أوصالها، رافضين تماما للتجربة الديمقراطية، غير معترفين بأن هؤلاء هم من أتى بهم الشعب، وهو من سيتحمل تبعات اختياره، وأصبح التركيز كله الآن مُنصب بالعزف على أوتار الفشل الذى ينتظر سياسة الجماعة، وليست هناك أى نسبة مئوية لنجاح سياستهم ونهجهم بقيادة البلد والوصول بها إلى مرحلة البناء والتنمية والعدالة والمساواة، وأصبحت كل المعارك السياسية التى يخوضها هؤلاء تعبر عن مصالح شخصية وآنية، ولتذهب البلد إلى الجحيم، على طريقة فيها لا أخفيها، وهو مايؤكد عدم أمانتهم وشفافيتهم تجاه الوطن، رغم أن فشل الفصيل الذى يقود الآن بمثابة فشل لكل الأطراف وليس جماعة الإخوان وحدها، وعليهم أن ينتهجوا سياسة معارضة غير التى يسيرون عليها، والتى يروج لها إعلامهم، بأن وجود الإخوان فى الحكم لهو شر مستطير، فالقيمة ليست بتأكيد وجودى على خلفية إثبات فشل الآخر، بل القيمة بإثبات أننى ناجح وإقناع الآخر بذلك، وما يتأكد يومياً من خلال الممارسة هو أن الليبراليين والعلمانيين، لا يبحثون عن الحلول التى تثبت وجودهم، بل يبحثون عن إثباتات تؤكد فشل جماعة الإخوان، وفشل سياستها التى تقود البلد للهاوية، والعمل باستماتة لإقناع الرأى العام بذلك، منذ تحقيق حزب الحرية والعدالة أغلبية فى أول انتخابات تشريعية بعد الثورة، ليأتى الدكتور محمد مرسى ليؤكد أنها بالفعل الفصيل الأقوى بفوزه بمنصب الرئيس كممثل لها بأغلبية ساحقة ووفقاً لإرادة الأمة.. ونحن لسنا بصدد الدفاع عن الجماعة وكوادرها فهم قادرون على ذلك، ولكننا نتطلع إلى توضيح حقيقة بدأت تتكشف بعد ما يزيد على العام والنصف العام من قيام ثورة 25 يناير، وهذا يعكس حقيقة من اصطدم بالنظام السابق، وعانى من جبروته وحقيقة من استأنسه النظام وكان خادمه وطوع فساده..! والآن إذا كان هؤلاء الرافضون لوجود الجماعة، جادين فى أن يكونوا شركاء فى سياسة هذا البلد والمشاركة فى صنع قراراته ونهضته عليهم أن يتخلوا عن موقفهم بمعاداة الآخر لمجرد أنه بالفعل الأقوى.. وأن يتحولوا إلى صفوف المعارضة، وإن أصاب من يحكم صفقوا لهم وساندوه، وإن أخطأ قوموه وصححوا له مساره بكل صدق وخوف على هذا مصلحة البلد وليس بالتشفى والشماتة، التى رأيناها فى أكثر من مناسبة، فمصر لم ولن تكون ملكاً لأحد بل هى ملك للجميع وكلنا شركاء فى هذا الوطن، ومصلحتنا العليا تحتم على الجميع أن يقدموها ولا يؤخروها لمجرد إننى أنتمى لهذا الفصيل أو ذاك.. فكم من أوطان نهضت بتكاتف أبنائها وكم من أوطان تشرذمت وتمزقت بخلافاتهم.