القرارات الثورية - قرارات العزه والكرامة - التى أصدرها الرئيس / الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهوريه يوم الأحد (12/8) تمثل الموجة الثانية على طريق الإصلاح ، ولا تقل خطورة وأهمية عن الثورة الأولى، بل هى إحياء لها بعد أن رَثَى المراقبون والمحللون الثورة المصرية ونَعَوْها، لم تكن أبداً انقلابا على الشرعيه أو استحواذا على السلطات الثلاث كما تزعم بعض وكالات إعلام التضليل ، وإنما كانت بمثابة عظة بالغهً لمن لا يدركون أو يتغافلون عن سنن التبديل والتغيير كما قال تعالى : ”فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاء سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ “ درساً قاسيا رُتب له بمهارة فائقة ، وتم إخراجه بصورة مُرضيه ، حتى بدا -على حد وصف أحد المفكرين - وكأنه إنجاز لجراحة خطيرة أجرتها أيد ماهرة بمشرط ناعم حقق المراد بمنتهى الأمان والهدوء ، دون أن تسيل قطرة دم واحدة . شيدت تلك القرارات أركان وقواعد بداية إنطلاق ثورة التصحيح الواجبة لمنظومة القرارات الخاطئة والمُستهجنه ، التى تولى كبرها ساسة وقادة المرحله الإنتقاليه ، بغرض التكريس لدولة أشبه ما تكون بحقبة العسكر فى تركيا ، بدءاً بتسيس المحكمه الدستوريه والغموض السياسى الذى أكتنف إجراءات حل مجلس الشعب المنتخب بإرادة شعبيه بذريعة أن القانون الذى أجريت على أساسه الانتخابات غير دستورى ، وإضاعة أموال طائلة من قوت دولة يعيش غالبية شعبها فى فقر مُدقع ( فأين كانت تلك المحكمه حين وضع هذا القانون .. أم أن تلك المحكمه تقطن دولة أخرى .. ولماذا لم تبدى المحكمه الدستوريه رأيها فى هذا القانون قبل الاقتراع كما أبدته بعد انتخاب المجلس فى خلال أيام معدودات) ، وتوجت تلك القرارات بإصدار المجلس العسكرى الفَرمان الدستورى المُكبل والذى يحظر على الرئيس - المنتخب - تولي السلطة التشريعية أو اقرار السياسة العامة للدولة أوالموازنة العامة أومراقبة تنفيذها منازعاً بذلك رئيس الجمهورية المنتخب بإرادة شعبيه مما جعل للدوله رأسين - فى سابقة لم تعرف لها أنظمة الحكم الديمقراطيه مثالاً فى العالم - مما فتح الباب تشاكس والتشاخس المكتوم بين الرئيس المنتخب – من أجل إسترداد صلاحياته المفقوده - ورئيس المجلس العسكرى - الذى أقتنص الصلاحيات المؤثره والفعاله لرئيس الدوله وتشبث بها مستنداً إلى سلطة الأمر الواقع وإعلام رجال الأعمال ودوله عميقه ترتبط ببعضها البعض بقواسم مشتركة ومصالح مرتبطة مما يجعل الإصلاح والتوجيه من قبل الدولة الظاهرة صعبا أو مستحيلاً لأنّ أوامرها وتوجيهاتها لا تجد آذانا صاغية من قبل أفراد الدولة العميقة ، الذين نَصًبوا أنفسهم أوصياء على الأمه كما صرح بعض أعضاءهم فى عنترية لا مثيل لها : "بأنه لن يسمح باستحواذ فصيل على مقاليد الأمور حتى ولو أعطته صناديق الاقتراع أغلبية كاسحه" .. فهو يرى مالا تراه الأمه مجتمعه كما قال فرعون من قبل .. قال تعالى : { قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ } وخلق هذا الوضع المتأزم ازدواج في السلطة بين الرئيس المنتخب بإرادة شعبية وبين مجلس عسكري عيَّنه مبارك قبل خلعه، وأصبح للبلاد رأسان متصارعان، وفي أتون هذا الصراع انفجرت عشرات الأزمات اليومية في البلاد؛ بسبب رفض كثير من مسئولى الدولة وأغلبهم من العهد البائد تنفيذ مشاريع الرئيس مرسي لفهمهم المغلوط بأن السلطة الحقيقية في يد المجلس، وهذه الازدواجية السلطوية جعلت البلاد على شفير الانهيار المؤسسي، ومن ثَمّ كان لا بد من إجراء حاسم وجريء مهما كانت درجته وقوته " فقائد واحد خير من قائدين هما أكفأ منه" و فى ظل هذا الجو المُلبد بالغيوم أمضى الرئيس مرسى الأيام والليالى التى أعقبت توليه السلطة ، فى محاولة تثبيت أقدامه وقراءة الواقع وإستشراف المستقبل ، وسط بذاءات وتطاول بعض الأبواق المأجوره والمنابر الإعلامية المشبوهه التى ما فتأت تحذر من الإسلاميين ، وتروع الشعب من مغبَّة اقترابهم من مواقع السلطة أو جهات إصدار القرار, بعد أن ترك لهم قادتهم وساستهم الحبل على الغارب ولم ينتبه هؤلاء المغرورين المخدوعين وهم فى غيهم يعمهون أن الحبل سيضيق على أعناقهم, وسينقلب سحرهم علي ساحرهم (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) ، وعشاق الحسد ، وأساطين النفاق ، على مر العصور والدهور يقودهم الغيظ ، حينما يرون أن لرموز الأمه واجهة فعلية لهذا المجتمع ، مما يدفعهم ذلك الحقد إلى إثارة البلبلة ، وإيجاد حالة من الانهزامية النفسية لدى المسلمين وذلك من خلال الانسياق في بحر الأزمات، مما يولدُ حالةً من عدم الثقة بين المسلمين ، فهذا يرمي بالتهمة، والآخر يصدق، ويكون صراع داخلي، يزيد من الفرقة بين الأمة ، و يولدُ حالةً من الإحباط النفسي بين الصفوف، والضعف والاستكانة أمام العدو مما يسهل تسلط الأعداء . و صبر الرئيس على تبجح الباطل وتنفج الشر مدركا أن الإمامه فى الدين لا تنال إلا بالصبر واليقين كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إنما تُنال الإمامةُ في الدين بالصبر واليقين، واستدل بقول تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } إلى أن جاءت القاصمه ونزلت الصاعقه حيث أذكت دماء ستة عشر جندياً - من خيرة شباب الأمه – قٌتلوا غدراً وخيانة وهم يتناولون طعام الإفطار فى شهر رمضان موجة الثوره الثانيه بسبب تراخي قادتهم وساساتهم وإنشغالهم بمنازعة الأمر أهله.. وبدلا من أن يُقبل القادة المتراخون بعضهم على بعض يتلاومون ويقولون : (يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ )ويعضون على أيديهم حسرة وندماً وكمداً وغيظا على أرواح تلك الشهداء إذ بالإعلام الكاذب يروج لفكرة أن مرسي غير قادر على التعامل مع التحديات الأمنية، ويحاول استغلال هذا الأمر لإشعال نار الفتنه وإظهار الرئيس بمظهر الضعيف غير الحريص على مصلحة بلاده، إذ واكبت تلك المجزرة حملة دعائية شرسة قادها فئة مُغرضه من تجار الصحافه والإعلام متهمه الرئيس مرسي بالتسبب في الحادثة بسبب فتحه للمعابر وإطلاقه لسراح المعتقلين السياسيين، لكن الغالبيه من القاده العسكريين كانوا يرون خلاف ذلك فوقع صراع عنيفاً بين من يريد قلب الحقائق ومن يريد أن يحق الحق وإظهار الحقائق وفتح الصناديق السوداء التى فيها من الأسرار الخطيرة والكافية ليس بالإطاحة بقادة المجلس وحده بل بالمجلس العسكرى كله...! عندئذ إنتفض الشعب لمقتل أبناءه ومحاسبة المُقصرين وأصبح مطلب التغيير ، سيْلاً هادرًا، وتيَّارًا جارفًا يجري في عروق أمتنا؛ طولاً وعرْضًا، شرقًا وغربًا، طوعًا أو كرْهًا ، ووجد رئيسه الذى أحس بنبض الشارع - الذى أتى به إلى سُدة الحكم - أن لامناص من تفكيك تلك الدوله العميقة التى يتبوأ رجالها مواقع متقدمة فى مؤسسات الدولة والجيش والبرلمان والنقابات إلى جانب مؤسسات الإعلام ونجوم الفن المستميتون في الدفاع عن كل ما هو مٌسف في الفن، وكأنهم سيموتون لو خرجوا من مستنقع الأعمال الهابطة التى زادت حدتها واشتدت ضراوتها في أعمال تنضح بها الشاشات خلال أيام وليالى شهر رمضان المبارك ، لإحراج مؤسسة الرئاسه وتأليب التيار الإسلامي على الرئيس بسماحه بعرض مشاهد كهذه ... فاتخذ رئيس الجمهوريه قراراً صائباً بتفكيك أوصال تلك الدوله العميقه وقطع ألسنة الرويبضة من أدعياء الإعلام الذين لم يتورعون عن توجيه أحط الشتائم إلى رمز الدوله , وكأن حرية الصحافه تعنى البذاءات والتطاول و «قلة الأدب» ؟!! لقد أذهبت تلك القرارارات التصحيحيه العظيمه زبد النظام السابق جفاءا، فهدمت الشِّقاق الذي نسجه المستبِدُّون، وضيَّقت الفوارق التي زرَعها المنافقون، وهدمت الجدُرَ التي بناها الأَمنيُّون ، وأيقظت النَّائم و نبَّهت الغافلَ، وذكَّرَت الناسي بأن الإسلام ثورة على الباطل والفساد ، والظلم والطغيان ، والبغي والاستبداد ، والذل والاستعباد ، والإنبطاح والاستخذاء ولن يقف الرئيس كثيراً في ملاحقة تلك الفئة المنقرضة بل سيمضى قُدماً فى وضع الأُطر اللازمة والقواعد الصارمة لنظام حُكم رشيد يحقق الرخاء للمصريين في عهده والاكتفاء بإصلاح وتأهيل تلك الفئة ومحاولة صهرها فى بوتقة ثوابت وهوية المجتمع. والآن حصحص الحق وأسفر الصبح ، وتبين لكل منصف أن تلك القرارات ، قذفت بالحق على الباطل ، فدمغته، فإذا هو زاهق، وأبرزت قوة الإسلام الذاتية في أمته من جديد، وتقررت سنة الله في أن العاقبة للحق، والبقاء للأزكى والأصلح، والناس سيدركون الحقائق لا محاله مهما زخرف المُضللون كذبهم وزيفهم { فَأَمّا الزّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمّا مَا يَنفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأمْثَالَ } . مهندس كيميائى