جمال سلطان لم يكن صديقي من المعروف عنهم الولع بالنكتة ، ولذلك كانت دهشتي كبيرة عندما وجدته على الجانب الآخر من الهاتف يقول : هل سمعت آخر نكتة ؟ ، ولكن لم يكن بد من أن أجيبه على الفور : هات ، فقال إن النائب العام أخرج تصريحات أعلن فيها أن حكاية السي دي الخاص بمسرحية الكنيسة الذي أثار ضجة هو مجرد وهم غير موجود ، وأن المسرحية ذاتها ليست موجودة ولم يتم تمثيلها ولا مرة ولا رآها أي مواطن ، أخذتني الدهشة من الكلام وحبكت معي النكتة فقلت له على الفور : وهل كانت هناك كنيسة أصلا ؟ ، بيان النائب العام كان فضيحة بكل المقاييس ، وإهانة للدولة ومسح بكرامتها الأرض ، وأظهر أنه لا أمل بالمرة في أي إصلاح في بلادنا في ظل الأوضاع الحالية ونظام الحكم الحالي ، بل إن الأمور تزداد سوءا بشكل خطير ، ويتنامى إحساس المواطن بأنه لم يعد هناك مؤسسة للعدالة أو مرجعية للدولة كقيم على مواطنيها ، والأمور كلها توجيهات سياسية ويوجد شخص واحد فقط يملك القرار كله : السياسي والاقتصادي والقانوني والتشريعي والديني ، وبقية الدولة موظفون يعملون بتوجيهاته ، وبالمناسبة ما قاله النائب العام قاله من قبله بأسبوع مفتي الجمهورية وأثار استياء وتعجب الناس وقتها ، والملاحظ أن كلا الاثنين : المفتي والنائب العام موظفان في وزارة العدل ، يأتمران بأمر الوزير ، أي الحكومة ، وينتهيان بنهيها ، إداريا على الأقل ، كما أن كلا منهما يعين بقرار ويعزل بقرار ، ولا يملك أي حصانة ، ولكن في النهاية هما يمثلان ميراثا أدبيا وأخلاقيا للدولة ، قبل أن يكون شرعيا وقانونيا ، وبالتالي فعملية الضغط عليهما واستنزاف مكانتهما في الهدر وابتزاز التصريحات بصورة مسفة ومتطرفة يمثل إهدارا لهذا الميراث ويسقط هيبة المنصب كله في ضمير الناس واختياراتهم أيضا ، إن الرسالة التي يمكن أن يخرج بها المواطن العادي من مثل تصريحات النائب العام خطيرة للغاية ، وقد تصل إلى حد التحريض غير المباشر على تجاوز القانون والنظام العام ، تصريحات النائب العام وضعت خلف ظهرها ما يعرفه ويملكه الآلاف من المواطنين ، وهي مهينة للمواطنين كما هي مهينة لأكثر من جهة وجهاز أمني رسمي وشخصيات قانونية لها احترامها ، وأيضا هي مهينة للبابا شنودة نفسه الذي اعترف علانية بالمسرحية ودافع عنها وقال أنها ليس فيها ما يسيئ إلى الإسلام ، فهل كان يكذب البابا ، وهل كان المجلس الملي كله يكذب عندما اعترف بالشريط واعتذر عنه ، وهل كان يكذب كل الأساقفة والكتاب الأقباط الذين اعترفوا بالشريط ودافعوا عنه ووصفوه بأنه مثل أفلام عادل إمام ، ثم لماذا لم يجب النائب العام على الكلام الخطير الذي نشره المحامي الكبير والمفكر المعروف الدكتور محمد سليم العوا ، وفيه بالنص أن جهازا أمنيا قام بتقديم مذكرة إلى النائب العام مرفق بها السي دي الخاص بالمسرحية وأن النائب العام تعمد تجاهل هذه المذكرة وكان ذلك سببا في وقوع أحداث العنف ، كما قال الدكتور العوا أنه شخصيا يملك أكثر من نسخة من شريط المسرحية ، وهذا يعني شيئا من اثنين : إما أن العوا ليس صادقا ويتهم النائب العام ظلما وزورا بأنه تسلم الشريط والمذكرة وأخل بواجبات منصبه ، وإما أن النائب العام لم يكن صادقا في قوله بأنه ليس هناك شريط ولا مسرحية من حيث الأصل وهذا خطير ، .. البلد تندفع في اتجاه فوضى رهيبة ، وإذا كانت مؤسسات عديدة في البلد قد انهارت بالفعل إلا أن مؤسسة العدالة كانت تمثل آخر الأعمدة التي تذكر الناس بأن هناك دولة ، فعندما يصل الخراب إلى هذا العمود ، فلنسأل الله اللطف بالبلاد والعباد مما يمكن أن يحدث في المستقبل القريب . [email protected]