تحدثنا فى مقالنا السابق بعنوان "الحيزبون فى التليفزيون" عن الذين يتّصِفون بسوء الخلق ويتطاولون على رئيس الجمهورية ولى أمر البلاد، وعلى العلماء والدعاة. وقد تصاعدت ظاهرة الراقصات والممثلات وأهل البدع والمنكرات الذين يتطاولون على الشريعة ويرفضونها كما فعل إبليس اللعين عندما رفض الامتثال لأمر الله تعالى بالسجود لآدم عليه السلام، فحكم الله عليه بالكفر.. قال تعالى: "وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) البقرة 34. والنافذة الطبيعية لهؤلاء هى القنوات الفضائية المأجورة، بالإضافة إلى القنوات الرسمية التى تستضيفهم، والصحافة المأجورة. والسجود لآدم.. هو إطاعة لأمر الله.. وليست عبادة لآدم.. فالله سبحانه وتعالى هو الذى أمر الملائكة بالسجود.. ولم يأمرهم بذلك آدم، ولا يحق له أن يأمرهم.. فالأمر بالسجود هنا من الله سبحانه وتعالى، من أطاعه كان عابدا، ومن لم يطعه كان عاصيا.. ومن رد الأمر على الله كان كافرا. ولكى نفهم معنى العبادة نقول: إن العبادة هى طاعة أوامر الله، واجتناب نواهيه، فما قال لى الله: افعل. فإنى أفعل. وما قال: لا تفعل. فإننى لا أفعل.. لأن العبادة هى طاعة مخلوق لخالقه فى أوامره ونواهيه. إذا قلت لهم قال الله وقال الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا قيل لهم إن الله سبحانه أو رسوله قد حرّم أمرا قالوا: لا.. هذه ردة إلى الخلف وعودة إلى عصر الجمل، نريدها دولة مدنية لا مكان فيها للدين، لابد من فصل الدين عن الدولة..!! وهكذا يرُدُّون الأمر على الله كما فعل إبليس، ويسخرون من الحجاب والنقاب واللحى.. ومن سنن النبى صلى الله عليه وسلم، ويتطاولون على ولى الأمر المسلم وعلى العلماء والمشايخ والدعاة، وبالجملة يتطاولون على شريعة الله ويسخرون منها. خذوا بالكم: "من رد الأمر على الله كان كافرا". ما هو جزاؤهم؟ قال الله تعالى فى هؤلاء: (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْىٌ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ). المائدة 33. ومعنى هذه الآيات كما جاء فى التفسير الميسر: "إنما جزاء الذين يحاربون الله، ويبارزونه بالعداوة، ويعتدون على أحكامه، وعلى أحكام رسوله، ويفسدون فى الأرض بقتل الأنفس، وسلب الأموال، أن يُقَتَّلوا أو يُصَلَّبوا مع القتل (والصلب: أن يُشَدَّ الجانى على خشبة)، أو تُقْطَع يدُ المحارب اليمنى ورجله اليسرى، فإن لم يَتُبْ تُقطعْ يدُه اليسرى ورجلُه اليمنى، أو يُنفَوا إلى بلد غير بلدهم، ويُحبسوا فى سجن ذلك البلد حتى تَظهر توبتُهم. وهذا الجزاء الذى أعدَّه الله للمحاربين هو ذلّ فى الدنيا، ولهم فى الآخرة عذاب شديد إن لم يتوبوا". إن هؤلاء يحاربون الله، ويبارزونه بالعداوة على أحكامه، ويعتدون على أحكامه، وعلى أحكام رسوله، فها هو جزاؤهم. إنهم أفرد الدولة العميقة الذين تعودوا على العيش الحرام، والحياة الحرام والرزق الحرام، ويريدون عودة نظام مبارك الفاسد، فهو البيئة الطبيعية والمناخ الملائم لهم، ويلوون عنق القانون لِيخضِعوه لِأهوائِهم. هذا هو الجزاء الذى أعدَّه الله لهم فى الدنيا والآخرة. إن أهل الباطل يُصرُّون على باطلهم ويثبُتون عليه، بل ويتفانون فى الدفاع عن هذا الباطل، ويغتنمون الفرص المناسبة للهجوم على المعتقدات التى يرون أنها تهدِّد وجود باطلهم الذى يتوقف وجودهم عليه؛ ليصدُّوا عن السبيل ويبغونها عوجًا بشراستهم المعهودة، وحروبهم المعروفة، وإصرارهم العنيد، وأول مراحل الهزيمة لهم هو ثبات المؤمنين على الحق الذى يحملونه ويدعون إليه، والثبات على الحق يكون أولى بشائر النصر؛ لأنك حقَّقت بهذا الثبات الهزيمة الداخلية لهم، وانتصرت عليهم بثباتك على الحق الذى آمنت به. فأولى بالذين يقولون ﴿رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾. (فصلت: من الآية 30)، أولى لهم أن يثبتوا على هذا الحق، ويُضحُّوا من أجله بكل ما يملكون؛ فهو الباقى الخالد، بينما هذه الدنيا وما عليها إلى زوال، فحق لهم أن يقول كل منهم لأهل الباطل: "والله لو وضعوا الشمس فى يمينى، والقمر فى يسارى على أن أترك هذا الأمر ما تركته؛ حتى يظهره الله أو أهلك دونه". إن من سنن الله أن يبقى فى الناس من يثبتون على الحق ويستمسكون به ويدعون إليه، ولو كثر أهل الباطل الذين يمكرون ويمكر الله وهو خير الماكرين، فيتصدى لهم حزب الله المفلحون؛ ليكونوا حجة الله على خلقه وصدق الله: ﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ). الأعراف181. وفى الحديث: "لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم؛ حتى يأتى أمر الله، وهم كذلك إلى يوم القيامة"، وظهورهم على الحق يحتاج إلى أمرين: ثبات عليه، وتضحية من أجله، وهذه الطائفة المستمسكة بالحق يحدوها الأمل الحلو، ويعمر جوانحها الرجاء الباسم، لا يتسرب ظلام اليأس إلى صدورهم، ولا يعرف له سبيلاً، ﴿قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ ) الحجر56. إنهم كلما أدلهَمَّ الباطل من حولهم ازدادوا ثباتًا وإيمانًا؛ لحاجة الناس إلى النور الذى يحملونه، وكلما أمعن الفساد فى الظهور والانتشار امتلئوا يقينًا بضرورة وحتمية السير فى هذا الطريق، طريق الصلاح والإصلاح، وكلما زحف تيار الكفر الصريح أو المقنع ازدادوا قدرة وإصرارًا على مقاومته بكل ما يملكون؛ ويوم ترى الإنسانية هذا الحق الذى ثبتوا عليه متمثلاً فى أمة تحبه وتحرسه وتنشره وتفتديه، يومها يهرب الظلام، وينكمش الباطل، ويتراجع الشيطان. وختاما: (هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ* وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) آل عمران138و139. صدق الله العظيم