تمر مصر بمرحلة فارقة فى تاريخها فى ظل أول حكومة بعد انتخابات رئاسية حرة أسفرت عن انتخاب الشعب لرئيس مدنى خرج من رحم الثورة المصرية هو الدكتور محمد مرسى.. ورغم ذلك مازلنا نجد أصحاب الحناجر العائلة والنفوس المائلة الذين أصبحت المعارضة من أجل المعارضة وجاهتهم يحكمون على الحكومة قبل أن تبدأ عملها رغم أن أولى البديهيات الإدارية أن لا تحكم على شخص أو تقيمه إلا من خلال ما أداه من عمل سواء إيجابا أو سلبا، والمنطق والعقل والشرع يطلب من كل عاقل إحسان الظن بتلك الحكومة فى تلك المرحلة الحرجة والدعاء لها ودعمها فإن وجدنا منها خيرا بعد تعاونا معها قلنا لها أحسنتى، وإن وجدنا سوءا كان دورنا التقويم وإلا فالخلع والتغيير. إن مصر بحاجة إلى تكاتف الجهود وترك الفرقة والتنابذ فى ظل حاجة الدولة إلى كل يد مخلصة بعد أن تركها النظام البائد متوغلة الفساد مهدمة المؤسسات وأصبح مصطلح الدولة العميقة يعيش فى كل جنباتها. وإذا كان السيد رئيس الجمهورية وجه خطة المائة يوم نحو القضايا الخمس: المرور والوقود والنظافة ورغيف الخبز والانفلات الأمنى باعتبارها قضايا محورية ترتبط بمعاناة المصريين الضرورية اليومية فإننا لم نجد سوى التربص من المتربصين الذين لا يريدون لهذا البلد أمانا أو استقرارا ويريدون فشل أى مشروع لنهضة البلاد والعباد يقدم من قبل الإسلاميين، حتى بات من هؤلاء من أصبح جل همه أن يحسب يوميا، كم يوما انقضى من المائة يوم؟!! ويتمنى أو لو انتهوا حتى يلصق التهم الجاهزة المجهزة بفشل السيد الرئيس وخطته. ونسى هؤلاء أو تناسوا أن خطة المائة يوم هى خطة تؤسس لما بعدها من أطر لحل تلك المشاكل العجاف التى عجز النظام البائد عن حلها – بل وأوغل فى ترسيخها - لأكثر من ثلاثين عاما، وهى خطة تحتاج حكومة لتنفيذها وهذه الحكومة لم تر النور إلا منذ أيام، كما أن من ينتقل لشقة لأخرى قد لا يكفيه المائة يوم لترتيب كل جوانب النقل.. فكيف بمن يريد الانتقال بدولة أصابها الفساد من كل جوانبها إلى دولة عصرية مدنية تنهض باحتياجاتها بل وتمد يد العون إلى غيرها كما كانت على مدار الزمان كما أرادها الله وكتب لها أنها: خزائن الأرض.. كل الأرض. ورغم ذلك فإن الحكومة الجديدة ينبغى أن تدرك أن عهد النوم قد انقضى وعهد الجلوس فى المكاتب قد ولى- فالسلطة مغرم وتكليف لا مغنم وتشريف - وأن الشعار المناسب لها قولا وتطبيقا هو: (أروا الشعب من أنفسكم خيرا) وأن نجاحها الحقيقى مرهون بقدرتها على توفير الأمن وسيادة القانون ووقف نزيف الفساد، وأى حديث عن تنمية فى غياب ذلك كالحديث عن الحمل الكاذب. فالأمن هو أسس النمو والتنمية وليس الأمن المادى فقط بل الأمن المادى والمعنوى والله تعالى يقول: (الذى أطمعهم من جوع وآمنهم من خوف)، ولن يكون هناك أمن إلا فى ظل سيادة القانون التى أرساها النبى صلى الله عليه وسلم فى قوله: (وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)، كما ينبغى على الحكومة الجديدة أن تعطى أهمية خاصة لتحقيق الأمن القضائى بتطهير القضاء من المفسدين المنبطحين خاصة ممن وجدناهم يتناقشون فى قضايا معروضة فى محاكمهم إعلاميا ثم يحكمون فيها على منصة القضاء قضائيا.. وكذلك تحقيق الأمن الإعلامى بتطبيق سيادة القانون على الإعلام المأجور الذى جاوز المدى فى الافتراءات والتزييف، فنال من هيبة الرئاسة والإسلاميين، وفى الوقت نفسه يسكت سكوت المقابر عن الحقائق، ويزين صورة الفلول وبعض العلمانيين والماركسيين، فهذا الإعلام فى حقيقته يشبه المستنقع الراكد الذى تهيج منه جراثيم المرض وتنبعث منه روائح الحمى، فلا مفر للحكومة التى تريد أن تبنى على أسس سليمة من ردم هذا المستنقع والاستراحة منه، لأنها لو تركته وشأنه فاسدا مفسدا فسوف يعم وباءه ويستشرى خطره وينالها من سمومه وغوائله وهو ما يعطل مسيرة حركتها ويحرم البلاد فى نهاية المطاف من نعمة التنمية والاستقرار، وهو ما لا نتمناه لحكومتنا الجديدة التى نسأل الله لها التوفيق والسداد فى تكوين حياة طيبة للبلاد والعباد.