رغم اعتقاد البعض أن العلاقات المصرية الأمريكية أصبحت لا تعانى من التوتر ، عقب إعلان الخارجية الأمريكية يوم الأربعاء 25 يوليو 2018م، أن الولاياتالمتحدة قررت الإفراج عن 195 مليون دولار مساعدات عسكرية لمصر كانت قد قررت حجبها في شهر سبتمبر من العام 2017، وأكدت الخارجية الأمريكية بعد قرار الإفراج أن مصر اتخذت خطوات كرد فعل على بواعث قلق الولاياتالمتحدة. لكنها استدركت أنه “ما زالت هناك بعض الأمور التي تثير قلق واشنطن تتعلق بحقوق الإنسان والحكم”. أما الخارجية المصرية فقد أعلنت ترحيبها بهذا القرار واعتبرت أنه يعكس أهمية وخصوصية العلاقات المصرية الأمريكية. وأن هذا القرار يؤكد أيضًا الالتزام الذي تقدمه كل من مصر والولاياتالمتحدة لدعم وتعزيز العلاقات بين البلدين، موضحًة أن برنامج المساعدات جزء أصيل من هذه العلاقات ويؤكد على استراتيجيتها. فى هذا السياق كان لابد أن نتوقف أمام ما ورد فى بيان الخارجية الأمريكية نصاً : " ما زالت هناك بعض الأمور التي تثير قلق واشنطن تتعلق بحقوق الإنسان والحكم " ، حتى نتعرف على أوجه هذا القلق الأمريكى تجاه بعض الملفات فى مصر ؟ ونتعرف أيضاً على طبيعة الشروط والضغوط الأمريكية التى سوف تمارسها واشنطن على مصر خلال المرحلة القادمة ،وما هو رد الفعل المتوقع من مصر تجاه هذه الممارسات الأمريكية المتوقعة ؟ . فى هذا السياق ، كشف تقرير أصدره " معهد واشنطن " بعنوان " النساء والأقليات والمساعدات العسكرية لمصر " والذى أعدته إيمي أوستن هولمز و هي أستاذة مساعدة في الجامعة الأمريكية في القاهرة، وزميلة في "برنامج الشرق الأوسط في مركز ويلسون"، وباحثة زائرة في "مركز ويذرهيد للشؤون الدولية" في جامعة هارفارد ، أنه فى أغسطس من العام الماضي، قام وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون بحجز 195 مليون دولار من "التمويل العسكري الأجنبي" عن مصر - أو 15? من إجمالي المساعدات العسكرية الأمريكية التي قدمتها الولاياتالمتحدة والتي بلغت 1.3 مليار دولار - مشيراً إلى المخاوف بشأن مسارها في مجالَي السياسة وحقوق الإنسان. وقد عمل مجلس الشيوخ الأمريكي بهدوء على زيادة الشروط المتعلقة بتقديم مثل هذه المساعدات لأسباب مماثلة. إلاّ أنّ وزير الخارجية الحالي مايك بومبيو حرّر في الآونة الأخيرة من دون أي تفسير مبالغ "التمويل العسكري الأجنبي" التي كان تيلرسون قد حجبها. وبحلول 30 سبتمبر الحالى ، سيتعيّن عليه أن يقرر ما إذا كان سيتم صرف مبلغ 195 مليون دولار آخر من اعتمادات السنة المالية 2017. وبموجب القانون، يجدر بالقرارات المتعلقة بالمساعدات العسكرية أن تستند إلى المعايير الأخرى في قانون اعتمادات وزارة الخارجية الأمريكية والعمليات الأجنبية والبرامج ذات الصلة، حيث يشير المعيار الأول الذي يركّز على "الديمقراطية وحقوق الإنسان" على وجه التحديد إلى حماية "حقوق الأقليات الدينية والنساء". وتحت عنوان " استهداف المتحرشين الجنسيين ... والناشطين " كشف التقرير الأمريكى عن تحسّن خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي حول حقوق المرأة منذ أن دافع عن الممارسة المتمثلة بإخضاع المعتَقَلات إلى "فحص العذرية". وقد تصدّرت تلك الحادثة عناوين الصحف بعد أن تم اعتقال المتظاهرين بسبب تنظيمهم مسيرة صغيرة في اليوم العالمي للمرأة في مارس 2011، عندما كانت مصر تُحكم من قبل "المجلس الأعلى للقوات المسلحة"، الذي كان مجلساً انتقالياً. وكان يتم آنذاك إرغام المحتجزات على الخضوع لفحص غشاء بكارتهنّ . وفي المقابل، أعلن الرئيس السيسي بشكل دوري أنّه يهتم بحقوق المرأة، حتى أنّه أعلن أن عام 2017 هو "عام المرأة المصرية" وعيّن للمرة الأولى في البلاد امرأة، وهي نادية عبده، في منصب محافظ البحيرة. ولكن، ما مدى صدق هذا التغيّر على مستوى السياسات ؟ هذا السؤال طرحه التقرير الأمريكى واجاب عليه بالتأكيد على أن الحكومة المصرية اتخذت بعض الخطوات الإيجابية ، ففي ديسمبر 2017، فرض البرلمان عقوبات أكبر على عمليات التحرّش الجنسي، حتى وصلت قيمة الغرامات إلى 10.000 جنيه مصري. ووفقاً لدراسة أجرتها "هيئة الأممالمتحدة للمرأة" عام 2013، أبلغت 99.3% من النساء المصريات أنهن تعرّضن للتحرش الجنسي في الشوارع؛ وبالمثل، وصف تقرير صادر عن "مؤسسة تومسون رويترز" عام 2017، القاهرة بأنها أخطر المدن الكبرى بالنسبة للنساء. وهنا نتوقف أمام جزئية خطيرة وردت فى التقرير الأمريكى ، ونتمنى أن تكون هناك إجابات شافية ووافية من جانب الجهات المعنية فى مصر ، حيث أكد التقرير أنه " حتى مع استهداف السلطة التشريعية للمتحرشين الجنسيين، عمدت السلطات المصرية في الوقت نفسه إلى زيادة مضايقاتها السياسية ضد المدافعين عن حقوق المرأة ، فتم منع اثنتين من أكثر المدافعات صراحةً، وهما عزة سليمان من "مركز المساعدة القانونية للمرأة المصرية" ومزن حسن من "مؤسسة نظرة للدراسات النسوية"، من السفر إلى الخارج منذ عام 2016، وتم تجميد أصولهما سعياً لتجويع منظمتيهما غير الحكوميتين من التمويل اللازم. وفي حين أنّ العداء العام للحكومة تجاه المنظمات غير الحكومية معروف جيداً، إلاّ أنّ المنظمات عينها التي تعمل وفقاً لأهداف القاهرة المعلنة من قبل هذه الأخيرة نفسها، مثل منع التحرش الجنسي، تتعرض للاضطهاد بموجب قانون المنظمات غير الحكومية لعام 2017. بالإضافة إلى ذلك - وفقا للتقرير - تم سجن إمرأتين في شهر مايو لمجرد اشتكائهما من تعرضهما للتحرش الجنسي. وبعد تعرض المواطنة المصرية، أمل فتحي، عدة مرات لمضايقات في اليوم نفسه، بما في ذلك من قبل ضابط أمن داخل أحد البنوك، نشرت مقطع فيديو على موقع "فيسبوك" تعبّر فيه كم ضاقت بالأمر ذرعاً ، فتم اعتقالها في 11 مايو وما زالت محتجزة بتهم خطيرة، وهي نشر فيديو تدعو فيه لسقوط النظام، ونشر أخبار كاذبة تضرّ بالأمن القومي، وإساءة استخدام الإنترنت. وقال التقرير الأمريكى : الأمر الأكثر مدعاةً للقلق هو حالة السائحة اللبنانية منى المذبوح، التي، مثلها مثل فتحي، نشرت مقطع فيديو اشتكت فيه على موقع "فيسبوك" بعد تعرضها لمضايقات عدة مرات أثناء زيارتها لمصر. وقد ألقي القبض عليها في مطار القاهرة أثناء محاولتها مغادرة البلاد، وحُكِمَ عليها منذ ذلك الحين بالسجن لمدة ثماني سنوات - وهو قرار غريب – وفقا لوصف التقرير - ، وأشار إلى أنه في الوقت الذي يحاول فيه المصريون استقطاب سياح من كافة أنحاء العالم. وعلى الرغم من أن القضية تثير العديد من التكهنات غير المؤكدة حول وجهات النظر الفعلية للحكومة بشأن التحرش الجنسي، إلّا أن الرسالة التي توجّهها إلى النساء واضحة تماماً: إذا تعرّضتِ للتحرش الجنسي، إما تلزمين الصمت أو تخاطرين بالتعرض لعقوبة سجن طويلة.