يعتبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو رئيس مرحلة "قطف الثمار" التي أينعت في الشرق الأوسط، وتحصد نتائجها حاليا الولاياتالمتحدةالأمريكية، والكيان الصهيوني، من خلال تنفيذ صفقة القرن، وفى الخليج استطاعت ادارة ترامب الحصول على 450 مليار دولار من السعودية العام الماضي، ومليارات الدولارات من دول خليجية أخرى. ومع شعار "وقت التنازلات" الذي تفرضه إدارة الرئيس الأمريكي على العرب، سلطت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية الضوء على خطوة واشنطن التي كافأت من خلالها عبد الفتاح السيسي بإعادة المساعدات، رغم حالة التضخم التي تعانيها السجون والمعتقلات في مصر. وحول سر إعادة ضخ المساعدات الأمريكية لسلطات الانقلاب مجددا، وبالتزامن مع غض الطرف الأمريكي عن ملفات التعذيب في سجون الانقلاب، وارتفاع أعداد المعتقلين لأرقام غير مسبوقة، حتى أن السيسي توسع في القبض على جنسيات غير مصرية مثل السائحة اللبنانية التي أعلنت تذمُّرها من مصر على موقع "فيس بوك"، وناشطة أخرى منادية بالديمقراطية تحدثت عن التحرش الجنسي، وطالب دراسات عليا زائر من إحدى الجامعات الأمريكية أُلقي القبض عليه في حين كان يُجري بحثاً عن القضاء. ومع ذلك، قال مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية إنَّ وزير الخارجية مايك بومبيو رفع هذا الأسبوع، القيود المفروضة على 195 مليون دولار من المساعدات العسكرية الممنوحة لمصر، كانت قد جُمِّدَت العام الماضي (2017) احتجاجاً على سجل حقوق الإنسان المريع في مصر وعلاقتها مع كوريا الشمالية. وأضاف المسؤول أنَّ المساعدات أُعيدت استجابةً للخطوات التي اتخذتها مصر بشأن مخاوف أمريكية محددة، دون تحديد ماهية تلك المخاوف. وترصد الصحيفة الأمريكية التناقض الغريب في موقف إدارة ترمب بخصوص ملف حقوق الإنسان في مصر، وتسخر بقولها: أمَّا تقدير وزارة الخارجية الأمريكية لتقدُّم حقوق الإنسان في مصر، ف "ممتاز". كما انتقدت مجموعات حقوقية أمريكية قرار وزير الخارجية الأمريكي بومبيو، قائلةً إنَّه أهدر ورقة ضغط قوية على رئيس سلطة الانقلاب عبد الفتاح السيسي، في وقتٍ يبدو فيه أنَّ سجله الحقوقي لا يزداد إلا سوءا. وقال بريان دُولي، من جمعية "هيومان رايتس فيرست"، وهي مجموعة حقوقية أمريكية: «القمع يُولّد السخط، وفي بعض الحالات التطرف. سيؤدي هذا في نهاية المطاف، إلى مزيد من عدم الاستقرار في مصر وتقويض المصالح الأمريكية». ونقلت الصحيفة عن مسئولين أمريكيين إنَّهم حجبوا 195 مليون دولار من المساعدات؛ للضغط على مصر بشأن مجموعة محدودة من القضايا. وتريد إدارة ترمب من السيسي إسقاط إدانة 43 موظفاً بمجموعات دولية تُروِّج للديمقراطية في 2012، بينهم 17 مواطناً أمريكياً. كما نصت قائمة المطالب التي استعرضتها الصحيفة الأمريكية – وفق مسئولين أمريكيين- أن يلغي السيسي قانوناً قاسياً يُنظِّم وكالات المساعدات وقَّعه العام الماضي (2017)، والذي قد يجعل من المستحيل على الكثير من وكالات المساعدات الدولية العمل في مصر. وقالت المصادر إن تلك المطالب قُدِّمَت سراً، واكد خبراء إنَّه ليس واضحاً مدى التنازلات التي قدَّمها المصريون. ويبدو محتملاً أن يستغل السيسي استئناف المساعدات كإثبات لصحة أفعاله حتى الآن، وربما سيشعر بالجرأة لتصعيد قمعه. ونقلت الصحيفة عن أندرو ميلر، من مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط: «تلبية مصر أياً من تلك الشروط تُعَد أمراً جدلياً للغاية. لكن المصريين سيُصوِّرون هذا القرار باعتباره مباركةً أمريكية لسياساتهم»، خاصة وأن الإدارة الأمريكية لم تعبأ بالنقد وسَعَتْ إلى تبني المستبدين مثل السيسي. ويعكس قرار المساعدات الفحوى الجديدة للسياسة الخارجية الأمريكية في عهد بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون، اللذين أظهرا استعداداً لمبادلة الزعامة الأمريكية في مجال حقوق الإنسان بتبني المستبدين مثل السيسي، الذي يشاركهما كراهيتهما للإسلام السياسي. ولطالما تمتع السيسي بعلاقةٍ دافئة مع الرئيس ترامب، الذي أشاد بالسيسي باعتباره «رجلاً رائعاً»، وأثنى علانيةً حتى على ذوقه في الأحذية. لكنَّ السيسي قضى وقتاً أصعب مع وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون، الذي حرم مصر في أغسطس 2017، من 96 مليون دولار من المساعدات، وعلَّق 196 مليوناً أخرى. وصُدِم المسؤولون بنظام الانقلاب من هذا التوبيخ من الولاياتالمتحدة، التي منحت مصر على مدار الأعوام ال40 الماضية 47 مليار دولار من المساعدات العسكرية و24 مليار دولار من المساعدات الاقتصادية. وقِيل إنَّ تيلرسون كان غاضباً من حنث السيسي بتعهُّدٍ خاص، قطعه في واشنطن، بألا يُوقِّع القانون القاسي المُتعلِّق بتنظيم وكالات المساعدات. وفي مايو 2017، مضى السيسي قدماً ووقَّع القانون. كما سعى تيلرسون أيضاً للضغط على مصر بشأن علاقتها مع كوريا الشمالية، التي تدير سفارة كبيرة في القاهرة تستخدمها لتنفيذ صفقات أسلحة غير شرعية في أنحاء الشرق الأوسط، بحسب مفتشي الأممالمتحدة. في المقابل قدَّم السيسي تنازلات لترامب من أجل استعادة جزء المعونة المقتطع. وعالجت حكومة السيسي جزئياً بعض المخاوف الأمريكية. فمن المقرر أن تُعاد المحاكمة في القضية التي تضم 43 عامل إغاثة أجنبياً، أُدين الكثيرون منهم غيابياً، هذا العام (2018). ووصل إلى تفاهمات في ملف كوريا الشمالية. لكنَّ ميلر، المحلل السياسي الذي عمل على الملف المصري في وزارة الخارجية الأمريكية حتى العام الماضي (2017)، قال إنَّ تلك القيود يمكن التغلب عليها بسهولة عن طريق استخدام الإجراءات الحسابية، مثل حساب دبلوماسيين باعتبارهم أزواجاً (لدبلوماسيين آخرين في السفارة). وأضاف: «إن كان الماضي مؤشراً، فإنَّنا سنرى، بمجرد أن تشيح الولاياتالمتحدة بناظريها في الاتجاه الآخر، سيعزز المصريون علاقتهم مع كوريا الشمالية مجدداً». وعلى معظم الجبهات الأخرى، أصبحت الأمور أسوأ على نحوٍ ملحوظ في مصر. فمنذ إعادة انتخاب السيسي في مايو2018، بعد انتخاباتٍ هزلية، ضاعف جهوده لاحتجاز حتى المنتقدين المعتدلين نسبياً. وأُصيب سامي عنان، رئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق الذي زُجَّ به في السجن حين تجرَّأ ووقف ضد السيسي بالانتخابات في أبريل2018، مؤخراً، بسكتة دماغية أدَّت إلى إصابته بالعجز، وذلك بحسب ما قاله أحد أقربائه المقربين في مقابلة صحفية. كانت المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر قد عُلِّقت جزئياً في 2013 من قِبل ادارة الرئيس باراك اوباما، رداً على قمع المصريين، قبل أن تُستأنف في مارس2015، بقيمة 1.3 مليار دولار سنوياً. وفي أغسطس2017، وافقت إدارة الرئيس دونالد ترامب على تجميد 195 مليون دولار «بانتظار تحقيق تقدُّم في الديمقراطية»، وعبَّرت عن قلقها بعد صدور قانون للمنظمات غير الحكومية. ثم أعلن الرئيس الأمريكي أنه يدرس الإفراج عن المساعدات بأكملها. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إنه «لا تزال هناك بعض النقاط المثيرة للقلق، وسنواصل التشديد بشكل واضح على ضرورة تحقيق تقدُّم». وتندد المنظمات الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان، بشكل متواصل، بالانتهاكات الكثيرة لحقوق الإنسان التي تُرتكب في مصر. وأورد أحدث تقرير للخارجية الأمريكية بشأن حقوق الإنسان والذي صدر في أبريل 2018، مجموعة واسعة من قضايا حقوق الإنسان ، منها التعذيب، والقيود على حرية التعبير، وسيطرة الحكومة على المنظمات غير الحكومية، ومحاكمة المدنيين عسكرياً.