كى لا تكون الثورة مجرد «هوجة»، أو تمردًا وقتيًا، أو فوضى خلاقة، أو...، أو...، وحتى تكون الثورة حرارة مُستمرة فى الجسد، وفكرة دائمة فى العقل، ونبضًا مُتصلاً فى الضمير، وإحساسًا حيًا فى الأعصاب.. يجب أن تُستنبت الثورة وتُنمى كما يُنمى كل ما سبق، عبر تربية رشيدة وتعليم صحيح. إنّ فكرة إثبات الذات، وانتزاع الحق، والرغبة فى شغل مساحة من الزمان والمكان والاهتمام، فطرة تولد يوم مولد الإنسان، وما البكاء والصراخ إلا وسيلة الطفل للإعلان عن حقه فى الطعام والشراب والنوم والنظافة، إذ لا يمكن لرضيع أن يصمت وشىء من ذلك ينقصه.. فمن الذى علَّمه ألا يسكت عن حقه وعمره فى الدنيا ساعات وأيام معدودة؟!.. إنه الله الذى فطره على طلب الحياة بطلب الحق والسعى إليه!. هذه الفطرة الربانية خَلقٌ من خلق الله تعالى فى التركيبة المادية والروحية للإنسان، وهى تحتاج كالبدن والروح إلى غذاء وسقاء، ورعاية وعناية، ليستقيم نموها ويتوازى مع نمو الأعضاء والجوارح، فيشبُّ المرء عفيًّا فتيًّا فى طلب ما يستحق وفقًا لشرع الحق بلا تردد ولا توقف ولا خوف، مؤمنًا بأن ذاته الإنسانية لن تؤدى دورها فى الحياة كما أمر الله إلا بالحصول على نصيبها من رزق الله، فإن جاء عبر عدل فبها ونعمة، وإلا استيقظت فطرة الثورة لجلب الحقوق وإعادة التوازن!. ثورة 25 يناير حرَّكها شباب أطهار، آمنوا بأن الثورة على الظلم والفساد فطرة لا تنفصل عن الإنسان السوى، بعد أن تربوا - فى غفلة عن عيون الهدم والقمع - على معنى الحرية ومشتقاتها الرفيفة.. كانوا هم البداية المتألقة المتأنقة التى استدعت بقوتها وصدقها وفوداً كبرى من شرائح تكيفت لزمن طويل مع مرارة الواقع، لأنها تربت فى مؤسسات الدولة على ألا تنتفض أو تثور أو تغضب، وبذا تاه الثوار الحقيقيون أرباب الفطرة الثورية المُتقدة بين جموع من ثوار مُقلدون تجرءوا بجرأة من أشعلوا فتيل الثورة.. الفئة المُقلِّدة حدت كثيرًا من انطلاق الثورة نحو مراميها العادلة، بل شكَّل كثير من أهل الكلمة والفكر والرأى «أو من نظنهم كذلك» عبئًا على كاهل الثورة، لأن فطرتهم الثورية تعرضت لعمليات تشويه عبر عقود طويلة، فلم يحسنوا التعامل مع المستجد الثورى بما يستحق!. أفرزت الثورة صنفًا ثالثًا، وهم أهل البلطجة والهمجيون وقُطَّاع الطرق.. وهؤلاء لا يتحملون الوزر وحدهم، ولكن يتحمله مجتمع تبنى على مدار عقود طرقاً بشعة فى التنشئة عبر دور التعليم والإعلام وغيرها.. هؤلاء خرجوا من جحورهم حين واتتهم الفرصة ليعبروا عن أنفسهم بالطريقة التى تعلموها فى الشوارع وفى أوكار السوء، بل ومن خلال وسائل الإعلام!. إذن، ما العلاج؟! ينطلق العلاج - حسب رؤيتى المتواضعة - من شقين.. شق عاجل، وشق طويل المدى.. أما عن الأول: فلابد من تطهير عاجل لمنصات الإعلام ومنابر الكلمة، فالكلمة أخطر من الرصاصة، ولابد من الضرب بيد من حديد على أيدى المفسدين والمُخرِّبين وقُطَّاع الطرق، فلا سبيل لزجرهم والحد من خطرهم إلا بالردع والقوة، وذلك كخطوة عاجلة لإعادة فطرة الثورة الحقيقية إلى قواعدها عبر الإعلام والمساجد والشوارع وتفعيل القانون. وأما عن الثانى وهو الأهم: فلا بد من بناء نظام تربوى تعليمى متكامل نابع من ديننا ومن سيرة سلفنا، يهدف إلى إعداد جيل يؤمن بالله وبالحق، ويسعى دائمًا إلى إقراره وإعلائه، ولا يخشى فيه لومة لائم. أرجو أن يتسع المقام لتناول ذلك فى مقال قادم إن شاء الله. [email protected]