ليس سهلا عليك أن تكون اليقظان بين النيام والتعبان بين جموع الراحة ،ولكنها لذة الطاعة تنسي تعب التكليف . المؤمن يحمل في صدره بركان الثورة ، وما بين دفتي كتابه العظيم تعاليم الثورة الربانية تجاه واقع ما هو الا حصيلة أخطاء بني البشر وزيغهم عن الحق ومعاندتهم لرسل الله ،وصلت البشرية إلى كثير من الأحايين الى معاندة الفطرة وفصامها للنفس السوية فطمست آثار العدل ومعالم الحق في حياتها،وما زال الله يرحمهم برسله يعظونهم ويدعونهم للحق ،حتى اذا ما وصلت البشرية رشدها واستطاعت أن تحدد حدود فطرتها وتعاليم أخلاقها الإنسانية السوية ،ساعتها جاءت دعوة الإسلام على سيد البشر محمد عليه السلام مكملة الدين والإنسانية ،ومتممة مكارم الأخلاق وما عادت دعوة سماوية تعقبها ، ورحمة الله لعباده بعد انقطاع الوحي أن كتاب الله عندنا كما نزل وان الله يبعث لنا على رأس كل مئة سنة من يجدد لنا أمر ديننا . فالاسلام ثورة مع التحفظ على بعض متعلقات المصطلح لعموميته واختلاطه بشوائب الثورات الحاضرة والغابرة ،فإسلامنا دين ثوري بل هو صاحب أعظم ثورة وأطهرها ثورة خرجت من رحم دعوة ربانية قلبت الظلم عدلا وأحلّت الحق بدل الباطل ، ثورة أعادت الأمور الى نصابها وسمّت الأسماء بمسمياتها ، ورفضت بكل قوة كل ما خالف دين الله والفطرة السوية ، فما أبقت لذي شهوة او صاحب سطوة قانونا يستعبد به الآخرين ، وانتهى يوما كان الإنسان عبدا لأخيه الإنسان وتشرف بكمال العبودية لله الواحد الأحد . وان انتكس البعض فرجع القهقرى في عبادة البشر وعبادة التافه من المادة حتى أحالتهم مسخا تعلوه البهيمة بأشواط ،ورغم هذه الانتكاسة للبشرية في هذا العصر ،فما زالت منارة الإسلام شامخة مضيئة ترشد من شاء الرشاد وتدل على طريق الحق والصواب وان للحق رجال في كل زمان ومكان . يلا كاريزما تفرز الدعوات والثورات عادة شخصيات كارزماتية ،تمتلك قلوب الجماهير وتكون لهم اقرب للأسطورة فيتفاعلوا مع الجماهير وتنصهر بهم، فيصبحوا عنوان الفكرة والدليل الى الطريق وهم بلا شك أصحاب موهبة ربانية استطاعت أن تفرض حبها على القلوب من غير سطوة . ولكن أحيانا هؤلاء الكبار والذين تعودوا أن يدور العمل في فلكهم لا أن يدوروا في فلك العمل المؤسسي الجماعي أحيانا يخطئوا اخطاءا جسام ، يكون من الصعب عليهم الرجوع عنه او الاعتراف بالخطأ ،هذا عدا عن الجمود والعجز الذي يسيطر على البعض منهم فلا آفاق ولا رؤى ولا فكر يتجدد بل أسلوب يتبلد . على أهمية هذه الشخصيات لا بد من توسيع دائرة القيادة المثقفة وان لا يقود الأمة خطباؤها بل مفكروها ،فبالصراخ والحماس والحدة تساق الجماهير أحيانا لكن بالفكر المستنير تصنع الأحلام ويصاغ المستقبل .فالشباب مطالبون المزيد المزيد من التضحيات والتعب على أنفسهم ليصنعوا امة ،وليعلموا أن الثورة ليست أياما ولا بضعة سنين ،ان البناء الاجتماعي مشوار طويل يتطلب فكرا سابق أوانه بعشرات السنين ،يحمله رجالا لا تتعبهم الايام ولا يفل عزيمتهم أهل الظلام وعين لا تنظر الا الى الأمام،ويلا كاريزما ومين يجعل من لازمة،ويرجم زعاماتنا المهترئة بجزمة. يلا بارانويا ويلا مزيدا من جنون العظمة كمان وكمان،فمعظمنا غير راض عما حوله الا أمرا واحدا له كل الرضا انه عقل كل واحد فينا ،الكثير معجب برأيه وعقله ويرى ضرورة تغيير كل ما حوله لكن بعيدا عما في عقله وقلبه ،فما بالك إذا ممن يملكون السطوة والسلطة ويردد حالهم أنا ربكم الأعلى وما اوريكم الا ما أرى ،ويا ترى ماذا يرى هذا الزعيم في شعبه وشبابه وشيوخه وأطفاله ونسائه ،لست احدهم حتى اسطر شعورهم وفكرهم لكني استلهم أفعالهم قبل أقوالهم ،حالهم يقول نحن الشعوب كمّا وجمعا مرغوب به عند الاحتفالات والتصفيق وان يرى الزعيم ما يسره من العبيد الذين يتشوقون لأوامره ،ونحن أيضا مجموعة مأجورة وحثالة وحشرات وفئران....إن رفعنا صوتنا بحضرة عرشه او تمادينا واستفسرنا عن حقوقنا فما بالك إن نازعناه ملكه او نازعناه حقوقنا ساعتها حلال حرقنا وابادتنا.واذا أما آن الأوان لإدخال مجانين العظمة من زعمائنا المصحّات العقابية وزنازين العلاج من ظلم العباد،لماذا المجانين في غير بلادنا يحكمون في هوائهم واحلامهم ، ومجانينا من الزعماء يمنعون عنا الهواء والماء ويمنّون علينا مع كل أمل نتحصله الم نتجرّعه ومع كل منحة ربانية محنة ل آدمية. وإنما تنجح الفكرة وتنتصر الثورة عندما يتوفر الإخلاص لها ويقوى الإيمان بها ،وان يحملها أهلها على أحلى صورة أعمالا لا أقوالا ،فمتى ينطق الحال لا اللسان ومتى تتحدث الأعمال لا الأقوال ،إن صمت المليء ابلغ ألف مرة واشد أثرا وتأثيرا من صاحب اللسان كثير الجعجعة وطحن الماء ،ولو صدق قوله عمله لأغنته الحقيقة في بيان نفسها. لا بد للثورة من رجال يحملونها بقلوب ملذوعة وعاطفة جياشة وحماسة لاهبة ،وتعرف ما تحمل وتعرف ما تريد وتحسن أن تقول ما تعمل وتعرف ،انه التنظير للفكرة والاستقطاب لها والتضاد لغيرها ،قد يتفانى البعض في غير الحق متحمسا لفكرة هي أصلا خاوية متهالكة ومع ذلك لديه الحماسة ولا تعجزه الاتهامات ولا تزعجه الحقائق .فما بال أهل الحق عن حقهم عاجزين،إن كلمات مفكري الثورات إنما هي مدافع تقذف اللهيب على العدا وتمطر السكينة على الانصار،فهل من هؤلاء الرجال في ثوراتنا العربية،وهل يعمد الشباب الى خوض ميادين البناء والقيادة والفكر كما خاضوها في ميادين التحرير وشوارع المظاهرات.